• عماد بركات جوماني
في الحي الذي أسكنه فتاة تدعى حنان انتهت قريباً من الاحتفال بعيد شبابها العشرين كانت كاسمها تفيض حناناً وحباً ورقة على كل من حولها ولكنها أصبحت منذ فترة تلبس اللون الأسود ونحن البشر لا نلبس هذا اللون إلا على الموت , نعم .. الأسود هو سيد الألوان ولون الوقار ويستحق الموت هذا الإجلال والرهبة ، ولكوني أتجاوز حنان بفترة عمرية مقبولة والحي يسمح في بعض الأحيان أن نتبادل السلامات وكلمات الإطراء
أومأت لحنان وهي تقف بانتظار سيارة عملها وأنا أحمل حقيبتي مسافراً إلى اللاذقية .
حنان مابك لماذا الأسود !؟ قالت : ( وهي تفيض دمعاً ) يوم استشهاده أمطرت السماء في قريتي أهي حزناً علينا لفراقه أم فرحاً بقدومه إليها .
كان شحود يتجول معي في ساحات الوطن ويأخذه منظر التماثيل لشهدائنا على طول مراحل التاريخ ، كان يحلم أن يصبح واحداً منهم وكنت أضحك منه كثيراً
قالت : كنت أغني له فيروز ( شايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك..شايف السما شو بعيدة بعد السما بحبك ) ولكني اكتشفت بأن البحر أصغر مما في خيالي وكانت السماء وللمفاجأة قريبة بل أقرب مما أتصور لقد أدركت بعد رحليه بأن حبي له كان أكبر وأبعد .
يا جاري..همست إحدى صديقاتي وهي التي عاشت قصص حب مخففة عني بأني ( فترة وبنسى ) وقصص الحب كموج البحر متجددة ومتشابهة جاءت سيارتها صعدت الباص الصغير ومازال لديها كلام كثير ..هكذا كان اعتقادي ..وأخذت أنا طريقي للبحر كنت في كثير من رحلاتي أنهي عملي في يوم واحد وأعود إلى مدينتي حلب تلك التي لن أهجرها طائعاً إلا للسماء لأنها ما زالت حبيبتي رغم ما أصبحت تحمل من دم مراق بين جنبات الجامع الأموي والكنيسة الإنجيلية وخراب أسواق الزهراوي وخان الشونة وحماماتها القديمة ..كان عملي في اللاذقية قصيراً ولم يأخذ سوى ساعات معدودة.. تناولت غدائي لوحدي هذه المرة .
بدأ الغروب بالنزول سريعاً وأنا أراقب البحر وأمواجه وأتذكر كلام حنان عن الحب والبحر بأمواجه المتجددة.. تجاوزت في مراقبتي للموج وتسجيل حركاته وأدواره وحتى انفعالاته مع تلك الصخرة الصغيرة وما كان يقذفه من رمل وحصى وحتى زجاجات الكولا ..الخ
حتى ظن البعض بأني موظف في صحة المدينة وأسجل تقريراً عن المقهى طلبت حسابي فتردد في جلبه فعرفته عن نفسي بأني مسافر من حلب …دفعته وأخذت طريقي إلى فندقي الصغير وغرفتي الاصغر..عدت في يومي الثاني وأنا اكتب كلماتي هذه في الطريق سأقول لحنان من قال بأن الحب متشابه ومتكرر كموج البحر فهو على خطأ وخطأ كبير راقبت تلك الموجات ..كثيراً من الموجات كانت تصل إلى الشاطئ بسلام وهدوء وموجات عاصفة وقوية وتحدث انقلاباً ضمن نفسها حتى تصل ..وبعضها لا تصل رغم قوتها بسبب التطامها بتلك الصخرة الصغيرة لتتكسر عليها وبعضها كان يعبث بها أيدي وأرجل من كان على الشاطئ
أيضاً كان هناك موجات ترتفع إلى أعلى من الصخرة لتصل إلى الشاطئ وهي تتجاوز أيضا من سبقوها من موجات وتحمل الكثير من المفاجآت حنان..أما بالنسبة لشحود فكان تلك الموجة الأخيرة ولن يتكرر بحبه لك وللوطن وسيمنحه الوطن حلمًا كان يحلم به بأن يوضع تمثالاً في المنطقة التي كان يذود عنها وسيبقى رمزاً واضح المعالم ولن تنسيه لأننا نحن لن ننسى هكذا موجه ..سنبقى نذكره بسماره الذي اكتسبه بعد التحاقه في الدفاع عن مقدساتنا سنذكره في سهراتنا بقصصه الصغيرة ( نكته) التي يرويها ويغشى علينا من الضحك وكان هو سعيد اً كلما ضحكنا أكثر ..
فكيف لك أنت أن تنسيه بل ستبقي على حب واتصال دائم مع تلك الموجة ..
الإهداء لروح شهيد محردة شحود ضبعان .