بيانكا ماضيّة
راكضاً مسرعاً تسبق الريح قدماه، ترك كل شيء في البيت وخرج هائماً على وجهه. الناس في الشارع ذاهبون وآيبون، وعلى وجوههم ملامح الحزن والأسى والسهو نحو أفق معين، وفيما هو يهمّ لقطع الشارع، مرّت في ذاكرته حروف المكالمة التي حدّثه من خلالها أخوه “عليّ” المرابض على الجبهة.. وفيما هو مرتبك ولايدري على أي ضفة يرسو، ومن الرصيف الآخر من الشارع رآه “غسان” صديق عليّ، لا بل أخوه، أخو الطفولة والمراهقة والصبا، أخو الفرح والحزن والأحلام البعيدة، وما إن رآه في حالته تلك، صاح:
-عادل، وين رايح؟! لم يسمع في البداية ما ناداه به غسان، وأعاد الأخير النداء بصوت أعلى:
-عاااااادل، ولك شبك وين رايح؟!
التفت عادل إلى مصدر الصوت، وحين رأى غسان صديق أخيه، قال والغصة في حلقه:
-غسان! عليّ ماااااااااا……ت، عليّ استشـــــــــ… وتحشرج، وجلس القرفصاء وراحت دموعه تنهمر شلالاً على وجهه الذي غطاه بالكفن الأبيض الذي كان يحمله بين يديه!.
وما إن سمع غسان خبر استشهاد صديقه عليّ، حتى ضرب بكفّيه على جبهته ووجهه، رافعاً رأسه إلى السماء، وهو يئن ويبكي، ودار حول نفسه، دار دار، حتى سقط مغشياً عليه.
في المشفى، وعلى السرير كان غسان يردد ماقاله له علي في آخر حديث بينهما: غسان احمل صليبك واتبعني!.