قصة قصيرة
عتاب ضويحي
“قريبا من سكون روحها قررت المكوث طويلاً، فكثيرة هي الأحداث التي عصفت بأيام سحر ،وعندما كانت تختلي بنفسها وتسترجع شريط الذكريات تحاول جاهدة أن تبتسم لواحدة منها لكن عبثاً، حتى مرآتها تخذلها في كل مرة تلتقي بها، لاشيء يجذبها بملامحها، وهي تدرك تماماً أنها ليست في صفوف الجميلات، لكن حلاوة الروح أساس الجمال، هكذا كانت تردد وتحاول أن تقنع نفسها وتتصالح معها.
تقف مطولاً عند قائمة المسموح والممنوع في جدول أيامها، بالتأكيد كفة الممنوع هي الأرجح ، ولا حول ولا قوة لها، السمع والطاعة حاضران دائماً، حتى في مرضها الذي أصيبت به مؤخراً كان لابد لها من اصطحاب والدها المسن، الذي بالكاد يتذكر اسمه ويخر جسده المتعب الهزيل أرضاً من نسمة الهواء الخفيفة ، اصطحبته إلى عيادة طبيب العصبية ليطمئنها أن حالتها تتحسن وبدأت عوارض الشحنات الكهربائية الزائدة “الصرع” تنقص وتمتثل للشفاء تدريجيا، إذا ما التزمت بالعلاج، والأهم الراحة النفسية، لكن هيهات، هكذا كانت ترد على طبيبها المعالج، ومن أين تأتي راحة البال وهدوء النفس يا دكتور؟ وكل شيء من حولي يزيدني قلقا وتوترا، أشم الهموم مع الهواء وأتجرعها مع الماء ، يقاطعها الطبيب ويطلب منها أن تكون أكثر إيجابية وأن تكون حكيمة نفسها، تعده وتنصرف إلى حين موعد الزيارة اللاحق. لم تعتد سحر أن تشغل وقتها بشيء أكثر من الصلاة وقراءة ماتيسر من كتاب الله، تحب الاختلاط والحياة الاجتماعية و التعرف إلى أشخاص جدد في حياتها، وسرعان ما تتخذهم أصدقاء مقربين، ولأنها تحب الكلام كثيراً، لايمضي يومها من غير المكالمات والاتصالات، بسبب وبدونه ، تبوح بآهاتها الكثيرة لصديقاتها، تشكو ضعف حالها، تقلب كل حجارة في عمرها بين شكوى ودمعة ،تحزن كيف بلغت الأربعين ومازالت لا تستطيع أن تأخذ قراراً يخصها، وكيف لايسمح لها أخوتها الذكور بالخروج من المنزل إلا برفقة أحدهم ، لم يكن الفقر من يؤرق حياتها أو المرض الذي زاد الطين بلة، أو حظها المتعثر في كل شيء، بل ما يزعجها ضوضاء الروح التي تعيشها، التدخل والتحكم بأدق تفاصيل حياتها، تحاول صديقاتها رفع معنوياتها، ودعمها بكلام يقويها على تحمل ماتمر به، وأحياناً يطلبن منها التمرد وأن تقول لمرة واحدة في عمرها “لا” لكل مايحدث معها ولها، لتنهي السجال بينهن بالقول: “إن شاء الله”، وبقرارة نفسها تدرك العجز الذي يعتريها، لاتستطيع البقاء بهذه الطاعة العمياء ولاتستطيع أيضا أن تواجه وتقول” لا “وفي المنتصف المميت تتمزق بين نعم ولا، تبدو من الخارج أنها بسلام لكن ألف حرب دائرة بداخلها، فهي لم تحلم بأكثر من حياة كالحياة، ودائمة السؤال لنفسها ترى هل وجود الروح بأجسادنا تعني أننا أحياء؟ تشرد تاركة للأيام القادمة مهمة الإجابة. شيء ما خارج إرادتها منحها القوة لتخرج من عنق قارورتها الضيقة ، وترمي عن أكتافها عباءة الذكر المتسلط، ، مضت وحيدة مع الراحة والحرية التي تريد، مودعة خوفها، فشلها، خنوعها، خضوعها، حتى مرضها، والغليان الذي يعتمل في رأسها ومن المشاعر المتقدة بداخلها، من التفاصيل المرهقة ، رحلت دونما اعتراض، ودون سابق إنذار في وداع طويل ، لتعود لها روحها التائهة منها وهي على قيد الحياة، لتهبط كالطيور في المكان الذي تشعر فيه بالأمان بعد أن تجرعت كماً كافياً من الأيام القاسية والصعبة ولتجد إجابة السؤال الذي شغلها طويلا.