بقلم حسين قاطرجي
تصدر رواية أيامٌ وليالٍ، أو ضحكة سارة عن وعيٍ جماليٍّ عالٍ وتسعى إلى التعبير عن العلاقات الاجتماعية وخلق مواقف تتخطى حدود الوعي السائد، وتناقش بشكلٍ غير مباشر علاقة الإنسان بواقعه المتغيّر المستجد مع ماضيه الثابت الجامد الذي لا يتغير.
في الرواية: تراود الثري الأرجنتيني “ريكاردو فاكاريسا” أحلامٌ متواترة تسلبه همود النوم وسكينته، كان يرى في هذه المنامات امرأةً لايعرفها وقد تكرر حضورها في الرؤى حتى بات طيفها الراخم راسخاً في فسحة باله لا يفارقه.
في تطوّر الأحداث يبدأ ريكاردو بالتحدث أثناء نومه بلغةٍ غير مفهومة ولم يسبق لأحدٍ أن سمع جرسها الغريب، هذا ما أخبرته به خطيبته التي اعتادت أن تشاطره السرير. ثم يلجأ الرجل إلى الطبّ النفسي احترازاً من أن تتفاقم حالته؛ لكنه لم يستفد من الطبّ شيئاً.
كانت الرؤى مستمرة لاتنقطع وفيها يجد نفسه يخاطب فتاةً جميلة في جزيرةٍ من هذا العالم وقد استطاع من خلال تقصي المعالم التي يراها في المنامات المتكررة معرفة أنها جزيرة كريت اليونانية، وأنّ الحسناء التي تراوده الأحلام هي آلهةٌ يونانية وجد حكايتها في أسطورة أورفيوس إحدى روائع الميثولوجيا اليونانية.
لا أظنّ أن الكاتب جيلبير سينويه يتوجّه في روايته أيامٌ وليالٍ إلى امرأةٍ بعينها، بل هو يتوجّه في روايته إلى كُنه الأنوثة وحده، أو الجوهر النّسوي بوصفه تجريداً شاملاً لكل النساء. ولا يعيّن محبوباً بقدر ما يُعالج قضية العشق المفرط الذي يعتلج في قلب العاشق محروم الوصال؛ ولهذا نجد في الرواية أن البطل ريكاردو تخلّى عن ثروته وفارق خطيبته ليبحث عن حبّه الأزلي الذي لايرى منه إلا ذلك الطيف الزاهر الفينان..
تجري أحداث الرواية في نسقٍ زمنيٍّ متناوب، بين عصرين متباعدين بآلاف السنوات ويمكن أن نجد فيها تلميحاً لفكرةٍ فلسفيةٍ تقضي بأن لكلٍّ منّا أكثر من حياة، وربما عاش أحدنا في زمنٍ مضى مع أناسٍ آخرين وربما تعينه الذاكرة والرؤى على ملئ تلك المشاهد الشاغرة من الذهن.
هذا عن الرواية، أما الكاتب فقضيّته أكبر وأعمق وأهم، وأتساءل أولاً ماذا قدّمت مصر لجيلبير سينويه مقابل ما قدّمه لها وللمكتبة العربية من أدبٍ جمٍّ عظيم؟ (يأتي الجواب الجاهز على شكل سؤال: وماذا قدمت الدول العربية برمّتها لكتّابها ومفكريها أصلاً؟!)
في سيرة حياة هذا الكاتب ما يُدهش، وسيرة حياته تزوّد حياة المتقاعسين بالفحوى وتعلّمهم الإنجاز، لأنه كتب أولى رواياته في سن الأربعين وفازت بجائزة أفضل عمل روائي تاريخي، ثمّ اتبعها بعشرات الروايات التي لاتزال تُعدّ معالم بارزة في مشهد الرواية التاريخية (يحاول الروائي يوسف زيدان أن يسير على خطاه ولكن هيهات)، وأحبّ سينويه القيثارة فتعلّمها وتحصّل بها على شهادة الأستاذية، وهو يميل في كل أعماله إلى المشرق عامةً، ومصر وتاريخها خاصةً ويكتبه بحيادٍ مفرط كي لايضع عليه القراء والنقاد مثلبةً واحدة. بقي القول أنّه مواطنٌ فرنسي ولد في مصر لأبوين مصرييّن من أصولٍ لبنانية واسمه الصريح (سمير كسّاب).
صدرت الرواية عن دار ورد وتقع في 300 صفحة من القطع المتوسط وهي رواية جديرة بالقراءة لكني لا أعدّها أفضل أعمال هذا الكاتب الكبير.
⤵️⤵️⤵️⤵️⤵️
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام ??