مراجعة رواية أم النذور للكاتب الكبير عبد الرحمن منيف

حسين قاطرجي

لو كانت كل أعمال عبد الرحمن منيف على شاكلة أم النذور؛ لكان إطلاق كلمة روائي عليه فيه كثيرٌ من التجاوز.

أم النذور هي أول عملٌ أدبي يكتبه منيف، يُثبت ذلك في خط يده حيث أرّخ انتهاءه من الرواية في دمشق 1970، هذا يعني أنها تسبق في عمرها أول عملٍ منشورٍ له، لكنّه أبى نشرها لأسبابٍ يدركها القارئ المحنّك فور قراءتها وسأناقش ذلك في هذه المراجعة والواقع أنه فعل خيراً بعدم نشرها، إلا أنّ الورثة الباحثين عن أمجاد أبيهم التي تبيض لهم ذهباً دفعهم -ربما- لتفقّد ما خطت يد الروائي الكبير لنشره والتكسّب منه وذلك لعلمهم أن دور النشر ستتهافت عليه بالتياع ، وهذا ماكان حيث خرجت رواية أم النذور إلى المكتبات عام 2005، أي بعد وفاة الكاتب بعامٍ واحد، ولأسبابٍ ترتبط بالغيرة على الدين قام بعض أنصاف القرّاء من العابثين بالإساءة إلى قبر الروائي (دون المساس برفاته) ظنّاً منهم جهلاً أنهم ينتقمون من الرجل لأنّه خطّ هذه الرواية، وتداركت السلطات الحادثة في تعتيمٍ كي لا يشيع الخبر على ألسنة الناس.

أودّ التأكيد أولاً على سؤالٌ طُرح عليّ مراتٍ عديدة وهو: من هو الروائي العربي الذي تراه يستحق جائزة نوبل؟ وكنت -ولازلت- في كل مرة أجيب بتأكيدٍ مبالغٍ فيه وبضميرٍ مرتاح أنّه: الروائي الفذ عبد الرحمن منيف، ولم يتغيّر رأيي ولن يتغيّر رغم تقييمي السلبي لروايته أم النذور، والحقيقة هو غير ملوم في شيء لأنه عرف أن لا قيمة أدبية أو فكرية لهذه الرواية ومضى من عمره بعد كتابتها أربعةٌ وثلاثون عاماً وهو يصرّ على عدم نشرها، لكنّ ورثته فعلوا ذلك دون احترامٍ أو تقيّدٍ بوصية أبيهم رحمه الله.

في الرواية: يحكي لنا الطفل سامح (وهو الابن الثالث للحاج حسيب) مواقف من طفولته الأولى، أسئلته الساذجة التي يتعرّف من خلالها على بديهيات الحياة، الكتّاب والشيخ ذكي، المدرسة، الحجة الساحرة التي تكتب الحجب للنسوة، مشاكل الصبيان وأقرانهم، السباحة في النهر.. وغير ذلك مما يحكيه الأطفال ولا يتنبّه إليه الكبار.

لا نجد حضوراً مهماً للحاج حسيب وزوجته وبقية أبنائه: ماجد، سامي، وجدان، سارة، ولا حتى للشيخ درويش راعي المقام الذي تقف على بابه شجرة البطم التي يربط الأهالي خرقهم ونذورهم عليها ويحمّلون معها الشيخ نجيب المدفون هناك دعواتهم علّه يحققها لهم أو يرفعها إلى السماء، لكننا في مقابل ذلك نرى رسماً تفصيلياً للشيخ ذكي شيخ الكتّاب، أظنّه من أرفع وأهم ما يجده القارئ من الناحية السردية في هذه الرواية وهو أحسن ما فيها.

في الرواية ضعفٌ وهزالةٌ ومآخذ كثيرة أذكر بعضها في النقاط الآتية:

– لا يجيب الروائي على أسئلة سامح الطفولية، بل يتهرّب منها أو يجيب عنها -على لسان الأم- بأجوبةٍ لا تقلّ عنها سذاجة. كان يجدر به أن يرفع من قيمة الرواية بأجوبةٍ أكثر عمقاً، وكنت في منتصف الرواية حتى آخرها يساورني شكٌ أن الكاتب سيفاجئ القرّاء بنصٍ عميق الفكرة والتبصّر لكنه لم يفعل.

– يساوي الكاتب بين الدين والخُرافة ويحاربهما على السواء، بل يجعل من الخرافة بِضعاً من الدين، نجد ذلك في حديثه عن الساحرة الحجة وتعليق التمائم على شجرة أم النذور وغيرها كثير؛ وفي ذلك افتراءٌ على الدين أو جهلٌ به.

– يتحامل الكاتب على رجال الدين ويتّهمهم بأشنع الصفات، فالشيخ الدرويش الذي أشبعنا الكاتب بالحديث عن دينه وتقواه، يفاجئنا في أواخر الرواية بسعيه لكسب ودّ الطفل واستدراجه إلى الغرفة/الخلوة حيث يتعبّد الله ليعتدي على الطفل في معزلٍ عن أعين الناس. أما الشيخ ذكي شيخ الكتّاب ففاجرٌ فاسد، يضرب الأولاد دون سبب إشباعاً لنفسه الدنيئة، ولم يذكر الكاتب له فضيلةً واحدة. كما يستغلّ شيخٌ ثالثٌ الأولاد لمساعدته في تغسيل الموتى!!

– لا يوجد في الرواية حبكة بالمطلق، هي مجرد حديث طفلٍ عن ذكرياته، لكننا نجد حبكةً هامشية تبدأ في الصفحة 127وتنتهي في الصفحة الموالية وهي حول مواجهة الطفل لعصا الشيخ، والواقع أنّ أعمال منيف بالمجمل لاتحوي حبكة قوية لكنّ أركان الرواية الباقية عنده تكون في مستواها الأعلى. (باستثناء هذه الرواية بالطبع).

– لغة الرواية بسيطةٌ جداً، لم أجد تميّزاً على صعيد التراكيب وسبك الجمل وتخيّر أطوالها ومفرداتها، ويمكن للقارئ المتمرس اكتشاف تخبّط الكاتب في تخيّر ثيمة الرواية منذ البداية، فأبطال الرواية في ثلثها الأول لا علاقة لهم بما جاء بعدها، حتى شجرة أم النذور التي طغت على المحور العام للرواية في البداية جاء الحديث عنها في الثلثين الآخرين مُقحماً بدون أي دلالةٍ أو أهمية.

صدرت الرواية عن المركز الثقافي العربي والمؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، وتقع في 222 صفحة من القطع المتوسط، وخلاصة القول، هذه الرواية لا تعبّر عن الكبير عبد الرحمن منيف، هي محاولة منه لتجريب الكتابة الروائية، وقد أدرك سخفها فلم ينشرها، لكنّه أبدع كل الابداع في أعماله التالية التي جاءت مستحقةً لتكون جسراً له لمنصة التتويج بنوبل، هذه الجائزة التي كان يستحقها عن جدارةٍ صريحة.

 

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار