تكليف لا تشريف

بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

 

إن المناصبَ لا تدوم لأهلها..

إن كنتَ فى شكٍّ فأين الأوَّلُ

 

فاصنع من الفعلِ الجميلِ فضائلاً

فإذا عُزلتَ فإنها لا تُعزَل

 

هما بيتان يُنسبان للإمام الشافعي من عيون الحكمة الموروثة في تراثنا الزاخر يصلحان أن يكونا استهلالاً لما أودُّ أن أبيّنه؛ إذ لكل إنسان طموح مشروع يسعى إليه؛ وآمال في الحياة يتمنى أن تتحقق، ويمثّل هذا الأمر لغالبية الناس المُحرّك الفعلي لحياتهم والدافع الرئيسي لتقدمهم نحو مستقبلٍ أفضل.

إن انتخاب الناس لشخصٍ ما يُعتبر ثقةً منهم بهذا الشخص لتحقيق متطلباتهم المُحِقة وهذا بحدِّ ذاته يمنحه قيمةً عظيمة غير أن ما يُرقيه ويجعله في مصاف العظماء هو قيامه بواجبه على الوجه الأمثل. وتاريخ الأمة العربية والإسلامية مليء بشخصيات قاموا بواجبهم على أكمل وجه فكانوا أكبر من مناصبهم واستحقوا بذلك الخلود في تاريخنا والأجر العظيم عند ربنا.

وإن التسابق لنيل المنى وتحقيق الأمل أمرٌ مشروع بين سائر البشر مادام يجري وفق شروطٍ عادلة من المنافسة الشريفة، غير أن مالا يُحمد أبداً تلك الطرق الملتوية التي يسلكها البعض لتحقيق رغباته وطموحاته، زاجين بأنفسهم في سباقٍ محموم للوصول إلى كرسي وظيفةٍ مرموقة، أو منصبٍ مسؤول.

من هنا نقول إن المنصب أو الوظيفة أو العمل الذي يتبوؤه الإنسان هو تكليف له بأمرٍ ينبغي أن يقوم به على أكمل وجه، إنه مسؤولية يضّطلع بها تجاه مجتمعه. ولم يكن المنصب في حقيقة الأمر تكريم وتشريف وامتياز لأحدٍ أبداً، طبعاً هذا الكلام مؤكدٌ في سماء الحقيقة وإن اختلف في كثير من الأحيان على أرض الواقع نتيجة فسادٍ ما؛ هنا وهناك.

وقد رُوي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن لله خلقاً خلقهم لقضاء حوائج الناس، آلى على نفسه ألا يعذِّبهم بالنار )، وورد أيضاً في الخبر (طوبى لمن قُدِّرَ على يديه خيراً ، وويل لمن قُدِّرَ على يديه شراً ) رواه ابن وهب في القدر.

فيا أيها الإنسان: كن طموحاً لأي رتّبةٍ شئت؛ على أن تعلم أنها تكليف وليست تشريف. فالمنصب ماضٍ، والرتبة ماضية، والجاهُ ماضٍ، جميعهم إلى زوال، وما أبعد الماضي مهما كان قريباً، وما أقرب الآتي مهما كان بعيداً، كل شيء سيمضي؛ وسيبقى عملك لصيقٌ بك، شاهدٌ عليك، فاعمل لما هو آت؛ واحذر الزلات، افعل الخير من موقعك الذي أنت فيه، ولا تنتظر تكريماً من آدمي، فالخالق العظيم هو الذي سيُكرمك في الدارين، وسيُفشي بين الناس ذكرك الحسن؛ وهذا الأمر مجرّب لكلِّ من أحسن ظنّه بالله تعالى.

 

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار