الإيثار .. بناءً ونماء

بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

 

عالَجتُ أَدواءَ الشُعوبِ وَسُستُها

فإذا الدواء تودُّدٌ وصَفاحُ

وبلوتُ أسباب الحياة وقستُها

فَإِذا التَعاوُنُ قُوَّةٌ وَنَجاحُ

 

إن ما نمر به من ظُروفٍ معاشيةٍ عصيبةٍ في مجتمعنا، وما نعانيه من البلاء والغلاء وتكالب الأعداء يجعلنا نستدعي ضمير الأمة بكلِّ مُكوّناتها لنُسمِعَهُ بعضاً من الحلول لما وصلنا إليه من حالةٍ يندى لها الجبين.

 

وإن من أنجع الحلول التي يمكن أن يقوم بها كلٌ من موقعه هو ذلك التكافل الاجتماعي الذي يجعل العون والمؤازرة في متناول الجميع؛ إنَّهُ خُلق الإيثار.

 

ويقوم مفهوم الإيثار على تقديم الآخر على الذات في النفع له والدفع عنه، ويُعتبرُ أعلى درجات الجود وأشرف حالات الأخوة الإنسانية.

 

وهو من أعظم الصفات الحميدة، ومن جملة الأخلاق القويمة التي حثت عليها الشرائع السماوية جمعاء، لما في هذا الخلق من تكافل اجتماعيٍ يضمن استمرار الحياة وتطوّرها وازدهارها.

 

نعم هو الإيثار الذي يمنحُ البركة في الرزق ويغمر صاحبه بسعادة عارمة ويساهم في نمو المجتمعات، ويزيد في  تماسكها، وينشر المحبة فيها، إنَّهُ ركيزةٌ مهمة في بناء المجتمعات القوية.

 

وتاريخ أُمَّتنا المجيد مُفعمٌ ومضاءٌ بأجمل صور الإيثار الذي يُجسّدُ أرقى حالات التكافل الاجتماعي.

وقد قال ربنا تبارك وتعالى واصفاً حال الصحابة رضوان الله عليهم: {وَيُؤْثِرُون عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة الحشر: آية 9]

كيف لا وقد علّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى قولاً وفعلاً .

 

ومنه صلى الله عليه وسلم تَعلم الصحابة الإيثار ومن ذلك ما يُروى أنه خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيه غلام أسود يعمل فيه؛ إذ أتى الغلام بقوتِه، فدخل البستانَ كلب ودنا من الغلام فرمى إليه الغلام بقرصٍ فأكله، ثم رمى إليه الثاني والثالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال ما رأيت! قال فلم آثرْتَ به هذا الكلب؟ قال ما هي بأرض كلاب، إنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أشبع وهو جائع! قال فما أنت صانع اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا. فقال عبد الله بن جعفر أُلامُ على السخاء! إن هذا الغلام لأسخى مني، فاشترى البستان والغلام وما فيه من الآلات فأعتق الغلام ووهبه منه.

فما أحوجنا إلى الإيثار الذي يبني ولا يهدم، يُعطي ولا يحرم، معدنُ السيادة للباذلين؛ ومولّد السعادة للآخرين.

 

هلموا يا كلَّ أبناءِ وطني لنتمسك به سبيل خلاصٍ ومنهج حياةٍ ونهجٍ نغرسهُ في ضمائر الأبناء لتتفتّح أزاهير التكافل في مستقبلهم وليرفل الجميع بالخير والرضا المنشود.

 

 

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار