التسامح بناء الحياة

بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

 

دليلي على وطنٍ جميلِ الملامحِ …

أناسٌ تحلّو بالرِضا والتَّسامُحِ

تنادوا إلى صفحٍ ليبنوا ويرتقوا …

لعمريَ هذا من عظيمِ المدائحِ

فهيا لنكتبَ بالتسامحِ موقِفاً …

يضيءُ لأجيالٍ عظيمَ النّصائحِ

جيدةٌ وهادفة فكرة اليوم الدولي للتسامح التي تحتفي بها الأمم المتحدة في في السادس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام. إذ لا ريب أن البشر جميعاً يعيشون في مجتمعاتٍ إنسانية، وتربطهم مع بعضهم علاقات مختلفة يتوجّب عليهم من خلالها أن يتحلّوا بالأخلاق التي تسير بهم بالطريق الصحيح في تعاملهم مع الآخر.

ويُعتَبر التسامح من أهم الأخلاق التي ينبغي على المجتمعات الإنسانية أن تتحلّى بها، وأن تحافظ عليها خُلقاً يجمع ولا يفرّق؛ وكثيراً ما ترددت  كلمة التسامح على ألسنة الناس؛ غير أن الفائدة تكون في معرفة مفهومها، والاطلاع على مدلولاتها.

فالتَّسامح في أصول لغتنا العربية مُشتق من الفعل سَمَحَ به أي جاد به وكَرُمَ به، وسَمَحَ له أي أعطاه ومنحه.

أمّا التَّسامح في الاصطلاح فهو: القدرة على العفو عن الناس، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والتحلي بالأخلاق الحميدة؛ ويكون التسامح عن قوة ومقدرة وإرادة.

فهو مبدأ إنساني يدفع المرء إلى نسيان الأحداث الماضية التي سببت له الألم والأذى بكامل إرادته، مع عدم التفكير بالانتقام، فهو يرسّخ معاني الإحسان.

إن التسامح من السجايا العظيمة التي اتّصف بها عظماءُ الإنسانية عبر التاريخ؛ وعلى رأس هؤلاء العظماء سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي لطالما نرى في سيرته تجسّد معنى التسامح في أعظم حالاته وأبهى صوره من ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم سامح كفَّار قريش على جميع ما فعلوه به وبأصحابه من صنوف العذاب والنَّكال؛ فقال: (اذهبوا فأنتم الطُّلقاء)؛ فبذلك يكون رسول الله  صلى الله عليه وسلم قد سبق جميع المؤتمرات والمواثيق الإنسانية والدولية التي صدرت عن سائر المؤسسات حول معنى التسامح.

ولا شكَّ في ذلك لأنَّ دين الإسلام اعتبر خُلُقَ التسامح شرطاً أساسيّاً لتحقيق السلام والوئام في المجتمعات الإنسانية، لذا نجد أن ربُّنا تبارك وتعالى خاطب العقل الإنساني ليُربي ويُزكي النفس البشرية ويأمر بالتسامح والاحترام للآخر، حيث قال تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة: 8].بل أكثر من ذلك كان الأمر بالتسامح بمعناه الأعمق حين الاختلاف الكبير حيث قال تعالى: { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}[سورة الزخرف:89]

إن الأمم المتحدة جعلت للتسامح يوماً دولياً ووضعت له مبادئ لا يختلف عليها أحد وهي:

  1.   معنى التَّسامح هو الاحترام وقبول الآخر بكلِّ ما يرتبط به، واعتبار التَّسامح ضرورةً مهمّةً في الحياة وصفة فُضلى تنشر السَّلام في العالم، وتساعد على إحلال ثقافة السَّلام والتَّعايش محلّ ثقافة الحرب ورفض الآخر.
  2.   التَّسامح لا يعني التَّنازل من طرفٍ لآخر، كما لا يعني المجاملة أو المحاباة بل هو موقفٌ يعتمد على الاعتراف الكامل والـمُطلق بالحقّ الشَّخصيّ للإنسان والحريات الرئيسيّة للطَّرف الآخر.
  3.   التَّسامح هو الحلّ الأمثل والمفتاح السِّحريّ للوصول إلى مطالب رئيسيةٍ كحقوق الإنسان، والدِّيموقراطيّة، والتَّعدديّة، والتَّشاركيّة، وتقبل الآخر.
  4.   العمل على تطبيق مفهوم التَّسامح لا يكون بالأقوال بل بالاعتراف بحقّ كل إنسانٍ على وجه الأرض باختيار ما يُريد.

إن التزام أخلاقية التسامح ومبادئه الإنسانية هو في هذه الأوقات أكثر أهمية من أي وقت مضى خصوصاً في هذه الحقبة التي تشهد اتساع الصراعات التي تتميز بتجاهل أساسي للحياة البشرية.

وما أحوجنا في وطننا العظيم سورية أن ننادي بهذا الخُلق الكريم التسامح والصفح لنُعيد بناء وطننا، كبيراً مُعافى كما كان.

إننا لا نملكُ تغيير إساءات الماضي ولكننا يقيناً نملكُ تغيير المستقبل من خلال الصفح عن تلك الإساءات

وأختم ببعض ما بدأت:

فهيا لنكتبَ بالتسامحِ موقِفاً …

يضيءُ لأجيالٍ عظيمَ النّصائحِ .

 

 

بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام

https://t.me/jamaheer

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار