كان عوداً يُنقر على أوتاره فتشجيك مقاماته العديدة….. الإعلامي والسياسي والمثقف الموسوعي محمد ماهر موقع رحمه الله ومسيرة حياة حافلة بالإنجازات والعطاءات.
بيانكا ماضيّة
تفقد الأمكنة بريقها ورونقها حينما تفقد أصحابها الذين يعطونها ذاك الألق والتطور والازدهار بأفكارهم الخلاقة المبدعة، وحضورهم اللافت، ورؤاهم الوطنية التنويرية، ولهذا فقدت في الأمس أمكنة حلب وفعالياتها الثقافية والفنية والإعلامية من ساهم في تألق هذه الأمكنة، حيث ترك فيها بصمات لا تمحى عبر تاريخها، الأستاذ محمد ماهر موقع رحمه الله، إذ وقعت الصدمة على أهل حلب ممّن يعرفه – ومعارفه كثر- وعلى عائلته وأهله وجميع أصدقائه ومحبيه برحيله بأزمة قلبية صباح يوم السادس عشر من الشهر الحالي.
إنَّ الحديث عن شخصية الأستاذ موقع يحتاج إلى صفحات وصفحات، إذ لابد من أن يتناول جوانب عديدة، منها الجانب الوطني، والإنساني، والإعلامي، والاجتماعي، والفني، إذ كان ذا شخصية وطنية ثقافية، موسوعي المعرفة والعلوم، أكان في علم السياسة أم علم الاجتماع أم الفن وغيرها من علوم، وذا رؤية استشرافية بعيدة المدى، متمتعاً بمواقف رجولية نبيلة يعرفها الكثيرون في شخصيته، وقد شغل مناصب عديدة، ومنها رئيس تحرير صحيفة الجماهير لمدة سبعة أعوام، بدءاً من عام 2000 ولغاية عام 2007، وعضوية قيادة فرع حلب لحزب البعث العربي الاشتراكي، وعضوية مجلس الشعب لدورتين، كما شغل مؤخراً رئيس مجلس إدارة نادي شباب العروبة للآداب والفنون، وأثبت جدارة في كل من تلك المناصب التي تسلّمها.
ولكن حديثي هنا سينصبّ على الجانب الإعلامي والثقافي والفني، حين كانت الصحيفة في زمنه وبفضل رؤاه ونظرته الإعلاميّة الصائبة في أوجها، وكذلك بفضل علاقاته الاجتماعيّة الإنسانيّة التي يعرفها القاصي والداني في مدينة حلب، إذ كان له حضور دائم في الفعاليات الوطنية والإعلامية والثقافية والفنية، أكان مشاركاً أم متلقياً، عدا عن معاملته الإنسانية الرائعة لكل صحفيي وعاملي الجريدة، محاولاً بكل ما أوتي من إدارة صلبة ونظرة إعلامية واسعة على تنشيط صفحات الجريدة كلها وتحديثها، وتقديم الرؤى الصائبة، وكذلك في أقسام العمل في الجريدة. هذا عن أنه كان –رحمه الله- يمد يد العون والمساعدة لكل من طرق بابه، فكان له فضل على الكثير منا، دون استثناء، وهذا ما يجب أن نعترف به جميعنا، فقد كان عوداً يُنقر على أوتاره فتشجيك مقاماته العديدة.
وسأتوقف هنا عند مرحلة مهمة في تاريخ صحيفة الجماهير على الصعيد الثقافي والفني، وهي مرحلة رئاسة تحريره لها، إذ وضع بصمة إعلامية مهمة، وخاصة حين تم إصدار الملحق الثقافي الخاصّ باحتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، جاهداً من أجل أن يكون هذا الملحق واجهة حلب الثقافية والفنية (مرفقة صور لبعض زواياه الصحفية فيه)، وحينها أشرفت على هذا الملحق بصفتي رئيسة للقسم الثقافي في الجريدة آنذاك، يرافقني إخراجاً الزميل الصديق إبراهيم داود، وتنضيداً الصديق أحمد ولاية، اللذين كان لهما البصمة الفنية الكبرى في ذاك الملحق، وكذلك الأستاذ عبدالكريم عبيد في أمانة التحرير. وكان الأستاذ ماهر- رحمه الله- في كل تلك الأوقات مشجّعاً إيانا وملبّياً طلباتنا، ومقاتلاً من أجل إنجاح العمل الإعلامي، كما كان معطياً لكل صحفي حقه، ولكل كاتب من مدينة حلب وخارجها موقعه، أكان على صفحات الملحق أم على صفحات الجريدة.
تتوالى الآن في خاطري مشاهد ومواقف عديدة حصلت، ونحن في خضم العمل في الجريدة، وأولها تلك الروح الفنية الموسيقية التي يتحلى بها لشغفه بالموسيقا واللحن والكلمة، فلا تراه إلا مستقبلاً لشخصيات حلب الفنية والموسيقية، عدا عن الشخصيات القيادية الأخرى في المدينة، عاملاً على أن تكون الصحيفة بيتاً إعلامياً ثقافياً فنياً لكل قاصديه، حتى أننا أحياناً كنا نسمع صوته وهو يدمدم الأغاني، فرحاً من كل قلبه. حتى على الصعيد الاجتماعي ،كان الرجل الأول في كل المناسبات، أكانت دينية أم اجتماعية أم ثقافية فنية.
ونحن إذ نستذكر تلك المواقف، لا بد، من يقرأ هذه السطور ممّن يعرف الأستاذ ماهر، أن يتذكر معنا مواقف تشبهها، ولا سيما في إدارته نادي شباب العروبة، وقبل الحرب كذلك في أثناء وجوده في مجلس النادي، إذ عمل على تنشيطه فنياً باستقطابه لوجوه شبابية فنية وثقافية لإعطائها الحيز الذي تستحقه.
إن الحديث عن أستاذنا وصديقنا الأستاذ ماهر موقع رحمه الله، حديث ذو شجون، وأخيراً نتقدم نحن أسرة تحرير صحيفة الجماهير وصحفييها وعامليها من أسرته ومن كل أصدقائه ومعارفه، بوافر عبارات العزاء، راجين من الله تعالى أن يلهمهم الصبر والسلوان، وأن يرحم فقيدهم وفقيد مدينة حلب كلها الأستاذ محمد ماهر موقع ويجعل مأواه الجنّة، فقد أعطى كل ما لديه من خلق ونبل وصدق ومحبة وعطاء، وترك رسالة إنسانية زاخرة بالمعاني الرائعة تجعل من ذكره مؤبداً.