شباب بلا مستقبل.

سهيلة العجي*
على مقعد الحديقة جلسا يتهامسان، فتاة جميلة يافعة، ابتسامة خجولة على ثغرها، نظرات بريئة في عينيها، ملامح حب يشع إشراقاً ونوراً، شعرها ينساب كالحرير على كتفيها تلاعبه نسمات صيفية تردها عن وجهها أحيانا وتتركها للريح تداعب خديها، فستانها الأزرق يشبه لون السماء يرقص مع أزهار الحديقة، ونظرات خوف وحذر تختبئ بين الأغصان المترامية مع شلال الزهور، إذ ربما يترقبها أحد، بقربها شاب بهيّ الطلعة يرتدي بزّة عسكرية، تبدو عليها رائحة المجد والكبرياء، يقارب الثلاثين من عمره، زنود سمراء، حذاءٌ عسكريّ ملمع، شعر أسود مصفّف، ويحمل بيده وردة حمراء مغلفة يضعها في كيس ناعم جميل عليه صورة حبيبين.
ضحكات خفيفة، هاهو بائع القهوة يقدم لهما فنجانين ويبتسم، ثم يبتعد ويبتعد ..
_ إلى متى سنبقى نتقابل بهذه الطريقة ؟ متى ستتقدم ، وتطلبني من أهلي؟ إلى متى سأنتظر؟
 أهلي لايقبلون بأن أنتظرك طويلاً .. تقدمَ لي ابن عمي الميسور ، هو وحيد عمي ، وأنا لا أحبه ، بل أكرهه..
_ أبي قال لابن عمي أنه سيخطبني له .. أنا أحبك، ولا أريد بديلاً عنك، لماذا لا تجيبني؟! هل تحبني؟  أجبني يا حبيبي، أرح قلبي.
صمتَ، والغصّة في قلبه، ثم همسَ لها :
– رصاصتكِ أصابت قلبي ..
ماذا أفعل الحب يُقتل منذ ولادته، أنا في سنة خدمتي الاحتياطية السادسة بعد تخرجي في كلية الحقوق ، لا أعلم هل سأُختم بالشهادة أم بخدمة عشر سنوات، لا أملك بيتاً، ولا مالاً كي أشتري لك خاتم الخطوبة، ولا أستطيع حتى أن أفتح كوخاً نعيش فيه يا حبيبتي ..
ولأنني أحبكِ سأنهي علاقتي في هذه اللحظة ، وأترك لك حياةً ربما تليق بك ، اقبلي بابن عمكِ ، فهو يؤمّن لك حياة سعيدة أتمناها لك ولو على حساب قلبي، احتفظي بين  دفاترك بهذه الوردة الحمراء ، دعيها تجفّ حتى آخر العمر ، حبك دفنته في قلبي ..
وداعا ياحبيبتي .. فلم أدعْ لقلبي بعد اليوم أن يطرق بابه أي حب .
اليوم أخبرتني حبيبته أنه استشهد في الحرب ..
آه ياوطن ما بك ؟ ألم تبك غياب أبنائك د؟
وإلى متى ياحبيبي، وكم من حب أُجهض في القلوب  قبل أن يولد ؟!
وكم من حب أُغلق طريقه اليوم قبل أن يصل؟ ..
اليوم أيها الأبناء الأعزاء ، ياوجع القلب والروح، يارفاق البنيان : اليوم عرفت لماذا قرر بنيان ألا يرتبط بأي حبيبة، ولماذا قال لي يوماً :
(أنا لن أتزوج أبداً يا أمي، لن أتركك وحيدة، وسأبقى معك طول العمر).
بقي بنيان ، وعاش حبّه في قلبي ..
——-
* أم الشهيد بنيان ونوس (من شهداء مشفى الكندي بحلب).
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار