ويــــرحــــلــــون

  بقلم عبد الخالق قلعه جي
في مقرها ذلك اليوم، ثلة من أسرة صحيفة الجماهير، التقيت بهم، وعلى فنجان قهوة ود وحزن، بعد عودتهم من مراسم التشييع.. كان الحديث.
 من القلب كلمات انسربت.. توق وتمنيات.. إلى عودة بعض دفء لعلاقات بين الناس أتى عليها كثير من فتور وتكلس وصدئٍ، أصاب جوهراً فيها والتفاصيل.. أما الأخرى، فإلى أن تهفو القلوب للقلوب، وأن نكون على بعضنا “حناين” أكثر وأكثر.. هكذا زميلنا حميدي قالها وكأن لسان حاله يستحضر أغنية ميادة بسيليس مأ حدا بيسأل عني بسأل على حالي…
طيبون نحن بالعموم، لكن تعوزنا أحياناً مفردات الترجمة.. ربما هو الزهد فيمن نحب مادام حياً، وربما هو فقر العاطفة والمشاعر والتردد في التعبير عنها، وربما هو ظن التمني أن الغد متاح دائماً لمشاريع بِر وواجب ووفاء.. وأن قطار النوايا الطيبة دائماً لديه وقت لانتظار.
ما من وقت كان لديه قبل أيام.. بلا صافرة إنذار.. بلا إيقاع سكَّته وضجيج المسير، يفوتنا من جديد القطار.. قطار على متنه في مقصورة مسافر.. لكنه هذه المرة إلى حياته الأبدية.. بصمت رحل معاذ العيلي.
في مجلس العزاء مساء الرحيل الأحد الثامن والعشرين من أيار الماضي التقيت جميع الزملاء الذين جاؤوا معزِّين.. والتقيت أيضاً بهما مطولاً عامر عليوي المحرر والمعد في مركز حلب والذي كان إلى جانبه في أيامه الأخيرة وسامر لطوف المخرج في مركز حلب والذي كان شريك عمل للراحل معاذ العيلي..
حضور إنساني ومهني نبيل ومختلف، وسيرة حياة حافلة تحدثا عنها.. توجزها الأسطر التاليات:
 “معاذ العيلي.. من مواليد الرقة عام ألف وتسعمئة وخمسة وخمسين لأسرة تنحدر في جذورها من معرة النعمان.. عُرف بميوله الفنية ونشاطه المسرحي خلال دراسته الثانوية بدمشق.
بدأ عمله في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أواخر السبعينيات وعاصر كبار المخرجين والرواد بدمشق فأفاد منهم وأخذ عنهم وانضم إليهم مخرجاً في مديرية الأخبار المصورة وغيرها من الأقسام.
مع إحداث المركز التلفزيوني بحلب أواخر الثمانينات كان معاذ العيلي المخرج، واحداً ممن أطلقوا العمل رغم الإمكانيات البسيطة في هذا المركز الذي ترأسه الكبير الراحل نذير عقيل، وكان بِكْر نتاجه طائر التلفزيون الذي كانت القناة الأولى تبثه مساء كل يوم أحد.
هدوء وثقة وإبداع تجاوز عبره نقص التقنيات المساعدة وخبرة متراكمة وظفها معاذ العيلي ونقلها إلى زملائه الجدد بحلب، الذين تتلمذوا عليه.. ولعل من أبرزهم المرحوم المخرج محمود زريق والمخرج سامر لطوف.
حيرة كانت.. من يعزي من.. الكل يعزي الكل، فأبو رامي يشغل حيزاً كبيراً في حياتنا.. الجانب الإنساني هو الأقرب في شخصيته حتى المهنية منها من خلال اختياره المواضيع التي كان يعمل عليها أكثر، ما يتصل بالشأن الخدمي والثقافي والفني والتراثي والآثاري، إلى جانب الاستطلاعات الريفية وتلك التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة وذلك للبث المحلي صباح الخير يا حلب بالإضافة إلى طائر التلفزيون”.
 ظل معاذ العيلي نقياً ممسكاً بقيم الزمالة والصداقة التي نشأ عليها، ولم تصبه لوثة المصالح والنفعية والأنانية.. كان يذكِّرنا دائماً بالزمن الجميل، بما يتمتع به من محبة، جعلته أكثر قرباً من الناس عموما ومن ضيوفه الذين كان يستخرج منهم أجمل ما فيهم”.
“العمل الإعلامي يسري في عروقه.. وكانت أجمل أوقاته تلك التي ينجز فيها عمله بكل دقة وشغف، ململماً كل التفاصيل التي جعل منها حوامل إبداعه من تصوير ومونتاج وتنفيذ وإخراج، غير مبال بالتي كان يمضيها من ساعات طوال”
هو بعض ما اقتطفته لكم من حديث عضو اتحاد الصحفيين ومدير مركز حلب الزميل عبد الكريم عبيد عن الراحل العيلي وشهادته فيه.. ويتابع:
 “عرفته منذ بداياتي في الإعلام.. تعمقت العلاقة بيننا بعدما انتقلت إلى المركز مديراً.. كان سلوكه وعمله يتصف بالمهنية التي تركز على مصلحة العمل والارتقاء به.. حتى بعدما أحيل إلى التقاعد في تشرين الأول من عام 2015 قال: جاهز لتقديم أي خدمة تتطلبها مصلحة العمل”.
مشاريع عمل كثيرة وطموحات لم تر النور كان يعد لمتابعة عطاءاته عبرها وبكل الحماس والحب.. لعل الفيلم الوثائقي الذي كان ينوي إنجازه عن الكبير صباح فخري أبرزها.
معاذ العيلي.. ياسمين من محبة يضوع وداً في قلوب من عرفتهم ووفاء.. وصفحة من زمن جميل لن نطويها لتبقى تحكي قصة العاشقين الراحلين.. حزناً شفيفاً وإبداعاً وصمتاً.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار