بقلم عبد الخالق قلعه جي
على حين غفلة.. واحد تلو الآخر، يعلن الرحيل.. أيا عجلة الأقدار.. قليلاً بنا ترفقي.. خففي الوطء وامش الهوينا.. لعلنا نستطيعك فنلقي نظرة الوادع على ورقة، قبل أن تَصِلي إليها فيذروها نسيان، وتُطوى.
كنا ذات يوم نجعل من آخر صفحة في دفاترنا ما يشبه المفكرة أو المذكرة، نكتب بتأنٍ وخط جميل وبترقيم وألوان، حسب أولويات البرنامج أو العناوين التي نريد أو التي يترتب علينا إنجازها.
من الدفتر الصغير ذي الجلد البلاستيكي وجيوبه الداخلية الشفافة في بعضها، إلى مفكرة الطاولة، ومنها في مراحل تالية إلى مذكرة الهاتف الجوال، أو “التاب”، أو تلك التي يمكن أن تكون على سطح مكتب الكمبيوتر “جالساً” كان أو محمولاً.
يحصل أن تبقى عناوين تلك المفكرة، منتظرة طويلاً، دونما إنجاز.. بل ربما تنتقل من برنامج عمل إلى آخر مُحَّدَّث التاريخ، علَّها وعلَّنا كما “جبران” نطفي بذياك العبير حرقة الأشواق، أو أن تعرف النوم هنا أعينُنا، مثلما أبدع السنباطي.
أسطر بدأتها، بعد رحيل الفنان التشكيلي العالمي النحات عبد الرحمن مؤقت عدت في بعضها “مرجِعاً” إلى مؤلفات الفنان التشكيلي والباحث طاهر بني وما كتبه عن الفنان مؤقت.. ودخلت دائرة الحيرة.. عن “مؤقت” أكتب أولاً أم عن البني.. الواجب والوفاء أن نكون مع الاثنين ولمَّا يكن ذلك بعد، لا الأول ولا الآخر.
في المفكرة أيضاً، أسماء وأماكن.. مشاريع عمل وعناوين تزدحم بها الأسطر وتجعلك.. أيها أولاً.. في حيرة، كما حيرة الأسئلة التي تبقى معلقة إلى أن يحسم القلم أو لوحة المفاتيح أحرفها، فيما يذهب أو تذهب إليه.
العناوين المعيشية ربما تتصدر ما عداها من الأخرى، التي تتنوع بين مواضيع ذات صلة بلقاءات واجتماعات وانتظار ما يتمخض عنها من نتائج، نأملها تنفع الناس وتنشر في الأرجاء عطر صعداء وخيوط يقين.. وبين ما يتعدى اليومي إلى منتظَرات من أيام وأحوال وأجيال.
في منارة حلب القديمة، نقاشات وحوارات لحفظ القدود وصونها، ونوايا طيبة حملها نسيم صبا إلى أجواء مماثلة أخرى في فندق شهباء حلب، حيث اللقاء الحواري الموسع حول التشاركية والمسؤولية المجتمعية للارتقاء في تقديم الخير والواجب للناس.
وبقدر ما قدمت تقنيات التواصل من خدمات ووفرت من معارف، ووضعت بين يديك مفاتيح، أنت بحاجة إلى أن تستبينها وعياً واختياراً، بقدر ما فتحت المجال لكثرة الدلاء والمشارب التي تنسكب منها وفيها، وبقدر ما تبرز الحاجة إلى لملمة المتقاطِع منها وتحليلها والعمل عليها اعلامياً وعامَّاً دونما كلل أو ملل.
لصفحات التواصل الاجتماعي رأيها الآخر، فهي تمضي “بمكناتها” غير آبهة بِنِيَّة لك أو رغبة.. لا مفكرة أو جدولاً تنتظر أو تصطبر.. نحن فقط “صابرين ودوم الكم ننتظر.. صابرين اش ما كبر بينا العمر”..
يا لراحلين، سلامات.. لروح صاحب صابرين، وحن وانا حن ويا حسافة.. رحل صاحب حَرَامات واعزاز وآخر عشق ولا تسافر، ويلي كل ضحكة على شفافك قصيدة وانا شاعر.. رحل ياس خضر بعد سويعات من رحيل صديقه الشاعر كريم العراقي.
كان صديقه، وقد سبقه الموعد صباح الجمعة الفائت.. كنا حيارى، سيدي القاضي.. كن منصفاً، فقد سافر إلى غير رجعة شاعر بعد الحب وها حبيبي وسلامي ودلع النساء.. شاعر لا تحرموني ومدينة الحب.. رحل ذاك الذي ما حركته أميرة بين النساء.. رحل “كريم العراقي”.
هو أيضاً أعلنه.. يوم أمس وعن عمر ناهز سبعة وثمانين عاماً، كانت النوتة الأخيرة التي ودَّعها أمين الخياط، أحد أهم أعلام الموسيقى المعاصرين.. عازف القانون والمايسترو والإنسان، بعد حياة حافلة بالمحبة والعطاء.. مع بعض محطاتها، سنكون الأسبوع القادم إن شاء الله.. أمين الخياط.. لروحك الرحمة والسلام.