بقلم عبد الخالق قلعه جي
- موسيقيو حلب عباقرة…
- لا تعبثوا بالتراث ولا تشوهوه…
- على المطرب بناء شخصيته الفنية الخاصة…
- لدينا فراغ في الأغنية السورية…
- أشعر دائماً أن لحلب دَيْن علي.. وأكبر الدَّين لإذاعــــة حلـــب…
قبل حوالي خمس سنوات، وعبر ساعتين وسبع دقائق، كان لقائي معه وذلك خلال زيارته لحلب وحضوره فعاليات احتفالية العيد الذهبي المركزية لنقابة الفنانين التي أقيمت على مسرح نقابة الفنانين بحلب.
أعادتنا الذاكرة إلى عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثين وحي العمارة بدمشق حيث ولد في بيت فني.. أبوه عبد العزيز الخياط.. مهتم بالموسيقى وصديق لفناني إذاعة دمشق حيث كان يعمل.
بيت العائلة، كان منتدى للموسيقيين والمطربين بدمشق وضيوفها، سلامة الأغواني.. عزيز غنام.. فؤاد محفوظ.. محمد عبد الكريم.. رفيق شكري.. نجيب السراج.. في هذا البيت تفتّحت موهبته مبكراً، وانبتت علامة ميله للموسيقا وحبه لها، وتشكلت ذائقته الفنية.
مع عودة افتتاحه عام ألف وتسعمئة وخمسين، انتسب أمين الخياط إلى المعهد الموسيقي الشرقي بدمشق، وتخرج فيه عازفاً للقانون بعد أربع سنوات، وكان من أساتذته عمر البطش.. هشام الشمعة.. يحيى السعودي.. وميشيل عوض الذي يدين بفضل كبير له.
في أحد نوادي دمشق، بدأ رحلته مع آلة القانون عازفاً، إلى جانب الأساتذة ميشيل عوض.. عمر النقشبندي.. ياسين العاشق وراشد الشيخ.. ما ساهم في صقل دراسته عملياً، وأتاح له فرصة التعرف عن قرب إلى بعض الأصوات التي غنت فيه مثل سعاد محمد.. فايزة أحمد ونورهان.
“وهو يرتجف”.. عزف طالب المعهد امين خياط أمام كوكب الشرق أم كلثوم – خلال زيارتها دمشق – مقدمة أغنيتها “جددت حبك” وأدى أيضاً مع زملائه رقص السماح على أنغام وصلة موشحات.
عام ألف وتسعمئة وسبعة وخمسين، قَدِم امين خياط إذاعة حلب.. تعرف إلى كبار الفنانين فيها، وانضم إلى فرقتها الموسيقية، وسرعان ما بدأ العمل أيضاً في الحفلات الخاصة بحلب مع زملائه من موسيقيي الإذاعة. ويومها أطلق عليه الإعلامي القدير نذير عقيل لقب الفنان الأنيق.
الكثير من العرفان والوفاء يحمله لإذاعة حلب.. ولعزيز غنام بشكل خاص.. يقول ” فيها ثبتُّ أقدامي وفيها “اختمرت”.. الفضل الأول والأخير لإذاعة حلب وكبار أعلام الموسيقا فيها والتي جعلت مني موسيقياً مهماً ومحترفاً وقائد فرقة يشار إليه”
“التقيت في إذاعة حلب كبار المطربين والمطربات وقدمت ألحاني لعدد منهم.. جميلة سمعان.. مها شيبان.. كنعان وصفي.. سحر ومها الجابري التي قدمت لها أولى ألحاني “كلما تخطر على بالي” بالاشتراك مع سمير حلمي من كلمات شاكر بريخان”.
مع افتتاح التلفزيون العربي السوري ستينيات القرن الماضي، شكل أمين خياط فرقة الفجر الموسيقية، التي نفذت وصلات برنامج مع الموسيقا العربية، والذي جاء عبر أربع وستين حلقة، من اخراج جميل ولاية.
لعله مازال في الذاكرة مسلسل الوادي الكبير، من بطولة “صباح فخري ووردة”.. مع كل من عزيز غنام، وعدنان أبو الشامات، وإبراهيم جودت، شارك أمين الخياط في تلحين الأغاني التي قدمها صباح فخري إلى جانب وردة التي غنت من ألحان ” بليغ حمدي ” في ذاك المسلسل.
عاماً بعد آخر بدأت فرقة الفجر بقيادة الفنان أمين الخياط، تأخذ شهرتها وتتألق عربياً بمرافقة المطربين والمطربات، نور الهدى “يا جارة الوادي”.. وديع الصافي.. شريفة فاضل.. محمد رشدي.. سميرة توفيق.. وغيرهم كثير.
سجَّل عام ألف وتسعمئة وثمانين، مرحلة مهمة في تاريخ فرقة الفجر، التي كانت تضم من بين أسمائها صبحي جارور.. أسعد خوري.. هادي بقدونس، وذلك مع انطلاقة الكبيرة ميادة الحناوي، عبر ألحان بليغ حمدي وتنفيذها وتسجيلها “الحب اللي كان وحبينا وتحبينا”.. ومن ثم أشواق وساعة زمن، للسنباطي وما تبعها من أغنيات لمطربة الجيل وحفلات في الدول العربية والأجنبية وليتعزز حضور الفرقة أكثر وأكثر.
شغل أمين الخياط العديد من المهام الإدارية مشرفاً موسيقياً.. رئيس دائرة الموسيقا في الإذاعة والتلفزيون.. نقيباً للفنانين.. مديراً لمهرجان الأغنية السورية بحلب وغيرها، ونال الكثير من الجوائز وشهادات التقدير.
شارك أمين الخياط في كثير من البرامج الفنية، ويحتفظ أرشيفه بعشرات الألحان الغنائية والمقطوعات الموسيقية والموسيقا التصويرية والبرامج والمسلسلات والأفلام، التي لمّا تزل في البال حاضرة، منها “وبعد الصبر” لفاتن حناوي وموسيقا “ذكريات في حلب”.
يمضي وقت اللقاء سريعاً، وهو به سعيد، وأنا.. فيما تبقى يتحدث عن الأغنية السورية، وعن الفراغ فيها.. عن حلمه بمسرح غنائي.. عن المايسترو هادي بقدونس وفياً.. عن التراث أرضية فنية صلبة.. ورسائل.. “لا تعبثوا به ولا تشوهوه”.. يحيِّي مطربي حلب المعاصرين ويدعوهم إلى صنع هوية خاصة بهم، وإلى امتلاك التفاصيل المتممة الأخرى.. عباقرة هم موسيقيو حلب إنما إفرادياً..
يتهادى الإيقاع ايذاناً بنهاية اللقاء، وآخر المشوار.. حزينة ألحان الثالث من أيلول كانت.. النوتة الأخيرة فيها مرثية الوداع، عزفتها هذه المرة أوتار الروح.. مسدلةً الستار معها على تلك الرحلة وذاك الحضور والعطاء..
“الحياة ليست ملكنا.. هي ملك الخالق وله”.. هكذا قال يومها، وكأني بنفسه مطمئنة راضية مرضية… “أشعر دائماً أن حلب لها دَيْن عليّ وأكبر الدَيْن.. لإذاعة حلب”، بها ختم اللقاء.. أمين الخياط.. لروحك الرحمة والسلام والوفاء.