الجماهير : أسماء خيرو
قدمت الدكتورة علياء الداية محاضرة بعنوان جماليات العالم الروائي عند د. طالب عمران وذلك في مقر اتحاد الكتاب العرب .
واستهلت الدكتورة الداية المحاضرة التي أقامها فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع مديرية الثقافة في حلب بالإشارة إلى أن الروائي السوري الدكتور طالب عمران كتب ومازال يكتب خلال مسيرته الإبداعية الرواية والقصة إلى جانب نمط الخيال العلمي الذي تميز به في أعماله، كما نجد أنواعا أخرى من الخيال تتناولها المحاضرة بنوع من التفصيل وعلى وجه الخصوص في فن الرواية .
وبينت الدكتورة الداية بأن القصة عند الدكتور عمران تقارب الرواية أحيانا فهي قد تمتد على صفحات كثيرة، وأن عشرات الروايات هي حصيلة إبداعية للكاتب الدكتور عمران ومنها على سبيل المثال ( أحزان السندباد ، البعد الخامس ، الفتية الأغراب، وأسرار النشر، مدينة خارج الزمن، في كوكب شبيه بالأرض، الأزمان المظلمة، عوالم من خلايا مشوهة، الخروج من النفق، ورواية صدرت حديثا بعنوان “الجزيرة النابضة” .
ولفتت الدكتورة الداية إلى أنها اختارت للمحاضرة روايات تمثل أنماطا سردية غالبة لديه ففي المقام الأول ثمة صنف الماورائيات، والثاني للخيال العلمي، الثالث الفانتازيا، مضيفة بأن مصطلح الخيال يجمع بين الخيال العلمي والفنتازيا ، أما الماورائيات فهي تتوخى الخيال بمفهومه الروائي بوصفه طريقة لربط الأحداث بالشخصيات ، وما يمكن أن يكون من سلوك وتعبيرات وأحداث متتالية، أما ماهية الأحداث نفسها فهي ذات واقع قائم بذاته يظهر في الإحالة إلى عوالم أخرى أو إمكانيات كامنة تكشف عنها الأحداث ضمن شروط معينة وفي ظروف محددة، فيما المفهوم العجائبي يصلح لأن يكون القاسم المشترك بين الأصناف الثلاثة.
وأوضحت الدكتورة الداية بأن الخيال العلمي هو تصور مركب لمعطيات الواقع وقوانينه العلمية الفيزيائية المادية، واقتراب نجاحها في المستقبل على نحو يحقق الخيال العجائبي وأمنيات الإنسان أو مخاوفه على حد سواء، أما الماورائيات فهي إعادة إنتاج الواقع ولكن بشروط مستقاة من الإمكانات المضمرة غير المكتشفة على نطاق واسع، فهي أشبه بمختبر لا يجيد التجوال فيه سوى قلة من الناس ينتجون منه إمكانيات تتخطى شروط الزمان والمكان، وتجمع الفنتازيا هنا الصنف الثالث بين الصنفين السابقين لتكون واقعا متخففا من المادية متخففا كذلك من عناء شرح الظروف الغرائبية ومحاولة تفسير نتائجه.
ووفق الدكتورة الداية الأصناف الثلاثة تشترك في كونها تحقق أحلام الإنسان عامة أو المتلقي أو أبطال الروايات، فهي تهيئ أجواء من الترقب ومساءلة الماضي والمستقبل والحاضر أحيانا وتهدف إلى إنشاء حالة من التساؤلات عن جدوى الوجود وكيف يمكن أن تكون الحياة أجمل أو أقل قبحا ، لافتة إلى أن الروايتين الممثلتين في صنف الماورائيات هما “البعد الخامس وأحزان السندباد ، أما الخيال العلمي فهو في روايتي “في كوكب شبيه بالأرض، وعوالم من خلايا مشوهة ” ، أما الفنتازيا والعجائبية فهما في روايتي ” كنوز الأعماق، والخروج من النفق .
وأشارت الدكتورة الداية إلى أن الروائي عمران متحيز للجمال بحيث يكون هدفا في كل الروايات مهما كانت نسبة القسوة ومعاناة الشخصيات فيها ، وفي جولة على محتوى الروايات، وعلى الشخصيات الرئيسية في الروايات نجد أنها تصارع القبح والضعف، وتتطور مع الأحداث لتفهم ضرورة الجمال وتدرج القيم الإيجابية في حياتها .
واستعرضت الدكتورة الداية الأنماط الثلاثة للإبداع الروائي لدى الدكتور عمران ، نمط البعد الماورائي الذي يتمحور حول تساؤلات الجمال والألفة ومحاولة للسعي إليه، ونمط الخيال العلمي الذي تظهر فيه صفات تتمحور حول محاربة القبح، نمط الفانتازيا والعجائبية والذي ليس من الورائيات وليس من الخيال العلمي الخالص ، إنما هو يأخذ بعض القوانين العلمية ويترك المجال مفتوحا حتى يقوم خيال الإنسان بصياغة ما يمكن من أحداث الرواية .
وختمت الدكتورة الداية المحاضرة بالقول بأن الروايات كلها تسعى إلى قيمة الجمال، لكن الروائي عمران كان رهينا بقدرة الشخصيات على تخطي أزماتها وفهم بيئتها حتى وإن كان ذلك يتطلب شجاعة استكشاف الفضاء أو باطن الأرض، فالمكان في الروايات دائما غريب غير متوقع ويحتوي على جزئية من حالة العزلة وهناك أيضا حالة من صراع الخير والشر داخل الروايات ، والأحلام تؤدي دورا مهما داخل الروايات في كثير منها ، ودائما نجد شخصيات في الرواية تحارب القبح وتحاول أن تعزز الجمال ، أيضا تحتفي الشخصيات بقيمة حب العلم ، فالعلم والبحث العلمي حاضران في كل الروايات بمستويات مختلفة ، والمرأة أيضا حاضرة في الروايات، لها مكانة فيها والعلماء الشباب أيضا ، ومن مصادفات الروايات تطابق اسم شخصية الدكتور طارق في أكثر من رواية واسم شخصية لينا ، والشخصيات فعليا كانت تعزز قيمة الجمال وتهرب أحيانا من قيمة القبح
وتحاربها أحيانا أخرى، مما يؤكد لنا بأن الروائي طالب متنوع في أجوائه الروائية، فهناك ماورائيات ، خيال علمي وفنتازيا وعجائب .
وكانت المحاضرة فرصة للمداخلات والتحاور المثمر الذي أضاء على بعض الجوانب الروائية لدى الدكتور طالب عمران.