محمد مهنا….
لا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تقدماً حقيقياً ما لم يمنح معلميه المكانة التي يستحقونها فالمعلم هو صانع الأجيال وحامل رسالة العلم والتربية وهو الذي يزرع بذور الوعي والمعرفة في عقول الطلبة ليحصد الوطن ثمار التطور. ومع ذلك ما زال واقع المعلم في كثير من بلداننا العربية بعيداً عن الطموح حيث تتدنى الرواتب وتزداد الأعباء المعيشية ما يضعف الحافز ويجعل الكثير من الكفاءات تنفر من هذه المهنة العظيمة. في المقابل نجد أن دولاً مثل فنلندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية أدركت مبكراً أن المعلم هو حجر الأساس في النهضة فجعلت رواتبه الأعلى بين كافة المهن تقريباً معتبرة أن الاستثمار في المعلم أهم من الاستثمار في أي مجال آخر. هذه الدول لم تكن متقدمة منذ البداية بل كانت تعاني من تحديات اقتصادية وتعليمية لكنها اتخذت قراراً شجاعاً برفع مكانة المعلم وتحسين أوضاعه المادية والمعنوية فانعكس ذلك على جودة التعليم وانتقالها إلى مصاف الدول المتقدمة في الابتكار والبحث العلمي.
إن مقارنة واقعنا بواقع تلك الدول يكشف بوضوح أن الفارق لا يكمن في الإمكانيات وحدها وإنما في الرؤية أيضا .
فحين المعلم يعجز عن تلبية احتياجاته الأساسية فمن غير المنطقي أن نطالبه بصناعة جيل مبدع قادر على المنافسة أما حين يتمتع المعلم بالأمان المادي والمهني فإنه يتفرغ لتأدية رسالته بأفضل صورة ويصبح التعليم حقاً قاطرة للتنمية. لذلك فإن تحسين رواتب المعلمين ليس مطلباً نقابياً فحسب بل هو مشروع وطني واستثماري طويل الأمد فمن دون معلم قوي ومقدر لن يكون هناك تعليم حقيقي ومن دون تعليم لن يكون هناك مستقبل.
لقد أثبتت التجارب العالمية أن الطريق إلى النهضة يبدأ من قاعات الصفوف ومن تعزيز مكانة من يقف على منابرها، فالمعلم ليس موظفاً عادياً، بل هو مهندس العقول ومصمم المستقبل. وإذا ما أرادت بلداننا أن تلحق بركب التطور فعليها أن تضع تحسين رواتب المعلمين في مقدمة أولوياتها، فحين يصبح المعلم أولاً ستصبح الأمة بأكملها في المقدمة.