الجماهير – محمد سلام حنورة..
في حلب، حيث يختلط التاريخ التجاري العريق مع المنافسة اليومية الشرسة، تتجلى ظاهرة فريدة يمكن تسميتها بـ “امتصاص الاسم التجاري حتى النخاع”. هذه الظاهرة تقوم على استغلال العلامة التجارية التي أسسها الآباء والأجداد بجهد وصبر، لتتحول في يد الأبناء والأحفاد إلى ما يشبه “الميراث المقسوم”، دون مراعاة لحساسية السوق أو متطلبات الحفاظ على السمعة.
من الجذور إلى التفرّع
أسماء عريقة في العديد من الأعمال والمهن التي تميزت بها حلب، بما فيها المأكولات، وهي أسماء وماركات لم تأتِ من فراغ. وراءها سنوات من العمل الدؤوب، الالتزام بالجودة، وبناء الثقة مع الزبون. هذه الأسماء لم تكن مجرد لافتات، بل وعود ضمنية بالمذاق، الخدمة، والمصداقية. لكن مع دخول الأجيال الجديدة، تحولت بعض هذه الأسماء إلى سلاسل متفرعة بلا تخطيط مركزي، حيث كل فرع يضع بصمته وفق اجتهاده الخاص، ما أدى إلى تفاوت ملحوظ في المستوى.
التأثير على السمعة
تآكل الثقة: الزبون لم يعد يعرف إن كان الفرع الذي يزوره يمثل “الأصل” بجودته المعهودة، أم نسخة مشوهة.
إضعاف العلامة: الاسم التجاري يفقد بريقه عندما يصبح متداولًا بلا ضوابط، وتتحول قوة الماركة إلى نقطة ضعف.
انقسام السوق: بدلاً من أن تتوسع العلامة بشكل منظم، يتحول التوسع إلى منافسة داخلية بين أبناء العائلة نفسها.
البعد الاقتصادي
ما يحدث في حلب يشكل درسًا مهمًا في الإدارة الاستراتيجية للعلامة التجارية. الماركة لا تُورَّث كالعقار أو الأرض؛ هي كائن حي يحتاج إلى رعاية، ضبط جودة، وحماية قانونية من التلاعب. كل فرع ضعيف الأداء يضر بالمنظومة ككل، ويقلل من القيمة السوقية للاسم، مما يفتح المجال لمنافسين جدد لسحب الحصة السوقية.
ظاهرة “امتصاص الاسم التجاري حتى النخاع” قد تبدو للوهلة الأولى نوعًا من استثمار الإرث العائلي، لكنها على المدى البعيد قد تتحول إلى كارثة اقتصادية ما لم تُدار بوعي. الحل يكمن في توحيد الهوية البصرية والمعايير، وإنشاء إدارة مركزية تحمي العلامة وتفرض رقابة على الفروع. فإما أن تحافظ الأجيال الجديدة على إرث الأجداد بما يليق، أو يضيع الاسم التجاري ويذوب في زحام السوق.