برلمان بلا أم جمال.. ؟!

حميدي هلال..

كان اللقاء الأول مصيريًا… ذلك اليوم الذي قررت فيه أن أخطو بأقدامي المرتعشة لأول مرة في حياتي إلى ذلك المبنى المهيب: “مجلس الشعب”. كان ذلك في فجر حياتي، عام 1989. لا… لم أكن نائبًا أتربع على كرسي وأمثل الشعب، ففي تلك الأيام لم أكن قادرًا حتى على تمثيل نفسي!

 

أنتمي إلى جيل “الميراث الأسود”، جيل وُلد مع الحركة “التصحيحية” الفاخرة عام 1970، حين ورث “القائد” الأرض ومن عليها، وكنا نحن – الشباب الطري – من بين المقتنيات الثمينة التي تم ترويضها لخدمة المسيرة!

 

دخلت ذلك اليوم برفقة والدي – رحمه الله – الذي كان يشبه في وقفته على أبواب “السرافيس” المتجهمة، وقفته وهو يتكئ على جدران عمره الثمانيني، منهكًا من عناء السنين. كنا نسير بخطى ثقيلة، نتوقف بين الحين والآخر ليستجمع والدي أنفاسه، كل ذلك من أجل موعد مصيري مع أحد “ممثلي الشعب”! والسبب؟ وساطة للحصول على سرير في غرفة بالمدينة الجامعية بدمشق.

 

نعم، لقد قُبلت في كلية الصحافة بجامعة دمشق، ولكنني كنت سليل فقر لا يملك ثمن سقف. فقلنا في سذاجتنا: لمَ لا نستجدي ممثلي الشعب لتحقيق حلم السكن؟!

 

جلسنا في “كافيه” المجلس الفخم نتناول القهوة مع “الممثل”. يا ليتنا احتسينا المرطبات وقتها، لعل حلاوتها كانت ستذيب مرارة الفشل الذي لحق بنا.

 

أربع سنوات دراسية كاملة مرت، ولم أحصل على سريري الجامعي. يبدو أن “واسطة” ممثل الشعب لم تكن ثقيلة بما يكفي في ميزان المصالح.

 

في تلك الأيام، كانت “أم جمال” هي النجم الساطع في سماء الوساطات، سيدة من طراز فريد، تخصصت في توصيل “ممثلي الشعب” إلى مقاعدهم.

 

كانت أتعابها باهظة… قد تكون نقودًا، أو مجوهرات، أو أي شيء “خفيف الوزن، ثقيل الثمن”.

 

المهم أن يدفع مَن يريد أن “يكتسب ثقة الشعب”!

 

من منا لم يسمع بطرق أم جمال، زوجة عبد الحليم خدام، التي كانت تفك عقد المشنقة بأسهل من فك عقدة حبل؟!

 

أما المغامرة الثانية والأخيرة في ذلك المجلس، فكانت عام 1996. هذه المرة، عدت لأطلب وساطة أخرى للحصول على وظيفة.

 

تعلمت من درس المرة الأولى، فأصررت على احتساء المرطبات هذه المرة، علّ حلاوتها تجلب فرجًا!

 

كتب لي العضو الطيب رسالة توصية إلى وزير الإعلام آنذاك، محمد سلمان. وضعت الورقة الثمينة في جيبي ككنز ثمين، وانطلقت مسرعًا إلى كراج “الهوب هوب” في العباسيين، عائدًا إلى قريتي المتواضعة شرق حلب، محمَّلًا بأمل جديد.

 

مرت سنوات طويلة، ولم نصل إلى الوزير، وبقيت محتفظًا بتلك الورقة كتذكار، حتى جاء عهد “الإصلاح والتطوير” الجديد، مع وراثة “بشار” العرش. ومع أولى منجزات هذا العهد “المبارك”، وخاصة “تكنولوجيا البراميل” المتطورة، ومع موجة النزوح، فقدت ورقة التوصية مع مجموعة أوراق ثبوتية، كان من بينها “هويتي”!

 

اليوم، ونحن نعول على برلمان جديد، بلا “أم جمال” وبلا وساطات، يبقى أملي الوحيد أن يعيد إليَّ هذا المجلس الجديد “هويتي” التي فقدتها!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار