محمود جنيد ..
في زمن لم يعد فيه الكلام في الشأن العام والتعبير عن الرأي في الفضاءات العامة من الممنوعات، وانهارت الجدران ذات الآذان المتلصصة التي كانت تدس السموم بين الكلمات لودي بالمتحدث وراء الشمس، أصبحنا نسمع في المجالس العامة ووسائل النقل آراءً متعددة؛ جهاراً نهاراً حول سياسة البلاد.
بالأمس أمريكا واليوم روسيا التي اتخذت موقفاً سلبياً من الثورة، هذا المزج بين المتناقضات يشبه شرب اللبن بعد السمك مع التمر هندي في وجبة واحدة؛ “والله ما بتنهصم و في بعض الأحيان تضر!” يقول أحد الركاب لصاحبه في السرفيس بنبرة ممزوجة بالدعابة، وهنا يشارك شخص يجلس في المقعد الخلفي، مصححاً مفهوم ذلك المزج بطريقة علمية حسب رأيه: الفكرة التي تتحدث عنها مجرد معتقدات متداولة، فلا يوجد أي تفاعل كيميائي بين المكونات التي ذكرتها، يؤدي إلى ضرر أو أعراض جلدية “كالبهاق” كما يشاع، وحتى الإشكالية الوحيدة وهي صعوبة الهضم التي قد تنتج، تكون بسبب حساسية فردية وليس نتيجة تفاعل ضار بينها، ويواصل، كمية الطعام وأسلوب إعداده قد يكونان هما السبب، ويُمكنك الامتناع عن أي طعام لا يتناسب معك، لكن جسدك هو الفيصل!
هذه الشرحة العلمية في الحقيقة تحمل بين طياتها دلالات سياسية، أوجزها المتحدث بعبارة مختصرة رافقها نظرة بعين تبرق باليقين: السياسة لعبة كبرى يربحها من يمتلك أدوات وتقنيات الوصول للغاية و الهدف، هي فن ورياضة، هكذا تتعاطى معها الدبلوماسية السورية، مستدلاً بالدعابة التي أطلقها الرئيس أحمد الشرع خلال لقائه نظيره الروسي بوتين، أثناء مشاهدته لمقطع الفيديو المتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي: “عندكم درج طويل، من الجميل أن نمارس بعض الرياضة، لكننا نستطيع المجيء إلى هنا دون تعب”.
الرجل أبدى رأيه وغادر المركبة، ليترك الحوار مفتوحاً، وكان لي نصيب في المداخلة فيه: الدور السوري الجديد يقوم على أسس إستراتيجية، تستثمر في رأس المال الجيوسياسي، من الموقع الإستراتيجي والروابط التاريخية مع كلا الجانبين سوفييتياً سابقاً وأمريكياً في مراحل مضت، مع إنشاء جسور الدبلوماسية المتسلسلة، وتحقيق التوازن الإستراتيجي، وعرض سورية كمنصة للحوار لا كساحة للتنازع، مع تجنب الاصطفاف ورفض الميل المطلق لأي طرف، وتنويع الصلات والانفتاح في العلاقات الدولية، مع الوضوح الداخلي أي منع أي التباسات دون تنازل عن السيادة، والتمسك بالقرار الوطني المستقل، بما يحقق لسورية مكانة وازنة ودور متزن، ويضمن المصالح الوطنية والشعبية على مختلف الأصعدة.