سوق العريان أصالة متعبة … وتخديم بالكهرباء غير مدروس علة اقتصاد ” مهنة الزنابيل ” . 

الجماهير || أسماء خيرو.
ليس بعيدا عن سوق النحاسين ثمة سوق ماتزال محتفظة بكثير من الحكايات عن تاريخ مهن تراثية لم تجردها الحرب وجودها بالرغم من لحظك عشرات المحلات ” الدكاكين”  المغلقة على طرفي السوق… ولن يأتيك اليقين إن لم تزر سوق العريان في حلب القديمة وتتجول فيه .
وما إن تتجول وتلقي نظرة على السوق وتتأكد مما رأته عيناك بأن المشتغلين بالمهنة المراد الحديث عنها تقلص حتى بات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، تسأل نفسك ،فإذا بها تحدثك وكأنها فهمت شعورك الممزوج بالأسف .
*هدوء مقلق.
هدوء تقطعه أنفاس الآلات اليدوية وحركة العمل الخجولة لتشي إلى علل مهنية لها علاقة بما فرضته الظروف الاقتصادية وتداعيات غياب الكهرباء ،غلاء مواد الخام ، وغلاء معيشي يسيطر محطما كل محاولة للبدء من جديد .
* محاولة مهنية .
وضمن محاولة مهنية لرصد #الجماهير ماحفظه الزمن من إحدى المهن التراثية ، فإذا بنا نحظى على غير موعد بلقاء الحرفي محمد صيادي الذي أسرنا بترحيبه اللطيف وعفوية حديثه في التعريف عن مهنة صناعة الزنابيل التي ورثها عن أبيه منذ 40 عاما .
* زمن لا يشترى.
وهنا كان لابد للحرفي صيادي الذي كان محاطا عن اليمين والشمال بما صنعته يداه من “الزنابيل” من مختلف الأحجام والقياسات بعد ترحيبه اللطيف أن يتوغل بالكلمات إلى الماضي ، إلى وقت ليس ببعيد، فقط على بعد بضع سنوات ،تتمنى كما هو، أن يعود ذاك الزمن مهما كلفك من ثمن ولكن هيهات حتى المال لم يعد يغري ذاك الزمن بالعودة .
*أطياف لا أكثر.
ويمر طيف ذاك الزمن للحظات ونستحضر معه ما فات وتتوارد الصور والمشاهد ونتلمس ما كان من ملامح سوق العريان وكيف كان عامرا بأشخاصه لا يعرف ما هو الهدوء، ويسير الحرفي صيادي بالحديث ويطلعنا على أن ما بين 120 إلى 200 حرفي كان يضمهم السوق إذ كان زاخرا بالصناعات اليدوية التراثية، كخراطة الخشب، الطرق على النحاس، تصليح بوابير النحاس، صناعة المدافئ، الغرابيل ، صناعة أدوات النجارة، إصلاح الدواليب ،  وصناعة الزنابيل .
* اللهم إذا بقي ثلاثة  .
وفجأة ومن بين الزحام والاختلاط بالحياة الحرفية وسماع الأصوات المدوية الصادرة من دكاكين الحرفيين في السوق، وماكان وكنا، ينتشلنا بقسوة ويعيدنا للحاضر ليخبرنا بأن كل شيء في السنوات الأخيرة آل إلى أن أغلب من عمل في هذه المهن التراثية هجرها دون عودة، وعدد المشتغلين بمهنة “صناعة الزنابيل” لم يبق منهم سوى ثلاثة أو أربعة حرفيين.
*مراحل لابد منها.
ويتوقف للحظات ليخفي وجعاً يسكن روحه ، ويسترسل بالحديث عن مراحل صناعة “الزنابيل ” يقول : يتم إحضار دواليب السيارات غير صالحة للاستعمال ليصار بأن تزال الطبقة العلوية المسماة “غوما ” للاحتفاظ بها لصناعة “قشاط التنجيد” الذي يستعمل في صناعة المفروشات ، وما إن يتم للوصول إلى طبقة الكتان ، تؤخذ هذه الطبقة وتستخدم في صناعة ( الزنابيل ) وتباع بمقاساتها المختلفة لعدد قليل ممن يستخدمونها ، كباعة الخضار ،والعاملين في البناء ، ومربو الحيوانات لاستخدامها كوعاء لعلف للحيوانات .
*مهارة تنغصها التكاليف.
ويستعرض مهارته الحرفية التي ورثها عن أبيه ونشاهد كيف يتحول الدولاب غير صالح للاستعمال إلى” زنبيل “في غضون نصف ساعة من الزمن، ولأن كل ما يحيط بحياتنا المعيشية بات متخما بالوجع والآه ، طغى إلى حين الانتهاء من العمل ، حديث عن معاناته من حالة صحية باهضة التكاليف ، كونه مريض قلب ويحتاج أسبوعيا ثمن دواء لقلبه المريض ما لايقل عن 200 ألف ليرة سورية.
* تخديم بالكهرباء غير مدروس .
ويلحظنا جار المهنة” شيخ الكار “ويتفحصنا بعينيه لدقائق ونقترب منه لنغني الموضوع الذي أتينا لأجله ،  ولكنه يأبى التحدث ويتابع ما تنشغل به يده من عمل ، “ويفعل الإلحاح فعله” ويتحدث على مضض ويبتعد بالكلام عن مهنة احترفها منذ سبعون عاما وعن سوق سنوات عمره  تناهز  الـ 400 عاما باتجاه أسئلة تؤرق مهنة أجداده، ويمسك بقطعة بيده ويشير إلينا أنظروا كيف أعمل يدويا ؟ لو كان السوق مخدم بالكهرباء في ساعات الصباح لما شق علي العمل هكذا ! أخبروا عني الجهات المعنية أن تزود سوق العريان بالكهرباء في ساعات الظهر لا ساعات الليل حتى نستفيد منها لتشغيل آلة الثقب ، فتخديم السوق بالكهرباء غير مدروس من قبل الجهات المعنية .
* ضغط معيشي.
وعلى هذا النسق لم يتوان الحاج أبو محمد أحد الأشخاص القاطنين في بناء محاذي لسوق العريان بالتدخل بالتعليقات باللهجة العامية” المعيشة غالية جدا وكل شي صار بالقلة ” أصبح لي أسبوعين ما حطيت ولا ليرة بجيبي ” ، متحدثا عن الحرفيين الذين هجروا السوق ، الوضع المعيشي السيء، والمنزل الذي تضرر بفعل الزلزال ويحتاج لمبالغ طائلة للترميم ، عمله المتوقف ، غلاء المستلزمات الأساسية، غلاء الأمبيرات، وانعدام الأمان في الحي، وكثرة السرقات.
* سوق نابضة في الذاكرة.
وفي هذه الأثناء تساقطت زخات المطر بكثافة واغتسلت بالماء أصالة سوق العريان التي لم يبق من معالمها سوى الملامح المتعبة، وقد تكون الظروف الاقتصادية بدلت وجهتها وأحبطت من عزيمتها إلا أن كثيرا من علامات روحها التراثية النابضة ماتزال قائمة على حالها لا تفارق الذاكرة.
»»»»
‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب
??
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار