ابعـــــت لي جـــــواب

بقلم عبـــــد الخـــــالق قلعـــــه جي

في جلسة حوارية مع بعض الأصدقاء وقد أترع الحال سحر قهوة وسرها.. كانت الأغنية مفتاح نقاش مفعم بالسلطنة وبالآراء التي جاءت متباينة بداية، لتصير في بعضها وبما انتهت اليه أسئلة موجعة يطل منها أسى يتلمس بعض طيف وخيوطاً من امل لمَّا نزل بها متمسكين.

 

على غنى ألوانها، تأتي القدود الحلبية والموشحات، المعرِّف الأبرز للأغنية السورية في الميزان الفني العربي والعالمي، والتي تدين بشكل أو بآخر إلى ” صباح فخري ” .. هذا الكبير – واحداً – من العمالقة الذين يستحقون وقفات ودراسات مستفيضة حول ما امتلكوا وما اشتغلوا عليه وما انجزوه عبر رحلات حياتهم ليخلد اسمهم في سجلات الأعلام المبدعين.

 

كان لابد للحديث من أن يمضي إلى الغناء العربي والمصري منه بشكل خاص ولتحضر المقارنة بين وبين.. وليكون النتاج الغنائي والموسيقي وتعدد ألوانه وقوالبه، هو الشاهد والفيصل الذي تقوله الذاكرة القريبة وسجلات الأرشيف.

 

كان الغناء في مصر أوائل القرن العشرين غالباً ما يقتصر على الأنماط التقليدية: التواشيح الدينية.. الدور.. الموشح – الذي انتقل اليها من حلب – والقصيدة المرتجلة، إلى أن بدأت أنماط جديدة تشق طريقها نحو التجديد في الغناء عبر قوالب جديدة لم يعرفها المستمع العربي من قبل..  الأوبريت.. المونولوج.. الطقطوقة.. القصيدة وذلك على يد سيد درويش محمد القصبجي رياض السنباطي محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش والملحنين الذين انضموا إلى تلك الكوكبة الرائدة.

 

في حلب ظلت القدود والموشحات وبشكل رئيسي تشكل عنوان الحياة الفنية فيها بالإضافة إلى الدور والقصيدة والموال والغناء الديني، والتي جرت على حناجر الأصوات الحلبية العظيمة من أمثال علي عبد الجليل.. أحمد الفقش.. محمد النصار.. صبري مدلل.. أحمد صابوني.. صباح فخري.. محمد خيري.. مصطفى ماهر.. مها الجابري.. سحر.. وصولاً إلى الأصوات المعاصرة الرائعة الموجودة على الساحة الغنائية الحلبية الآن.

 

مُحكًمة مغاليق هذه الدائرة، التي ما استطاع أحد “مطرباً كان أو ملحناً ” النفاذ من أقطارها والانفكاك عن مداراتها إلا من امتلك سلطان النفاذ وأسبابه.. ولعلهم أقل من أصابع اليد الواحدة. أما النتاج خارج التقليدي فإنه لم يلق من العمل عليه ما يستحقه من تظهير وشهرة ورواج.

 

عشرات من السنين ونحن مع موروثنا الغنائي العظيم المحفوظ نستمع إليه ونغنيه بالإضافة إلى ما أضيف إليه في ذات الأنماط والقوالب نتاج النصف الثاني من القرن العشرين، الأمر الذي يقول باستمرار حضور هذه الالوان بقوة وتجذرها وهذا أحد أهم عوامل استمراريتها والحفاظ عليها وتكريس هذه الخصوصية والتأسيس عليها والانطلاق منها.

 

ما سبق يوصلنا إلى خلاصة في جانب آخر تقول: إن لوناً جديداً يجب أن يولد ويتشكل ليضاف إلى هذه القوالب التراثية التي نعشق.. لون جديد لم يتم طرق ابوابه إلا في محاولات لم ترق الى ان تتبلور وتفرض نفسها بقوة وتتحول إلى حالة وفضاء جديد يجب أن يكون.

 

دائرة القراءة تقول إن الرحابنة عندما وجدوا ما امتلأت به ساحات الغناء.. ما حاولوا التقليد ولا الاجترار.. إنما كان لهم ما أبدعوه وبرعوا فيه وما أضافوه من ألوان جميلة لحنية وغنائية، تفردوا بها فكانت بحق مدرسة رحبانية مبدعة.

 

في هذا السياق نستحضر من الذاكرة الأعمال اللحنية للمعلم بكري الكردي الذي بالإضافة الى ألحانه التراثية، قدم نماذج رائعة من الأنماط الأخرى خارج هذه الدائرة ولنا في بعض الأسماء المعاصرة القليلة الأخرى نماذج أعارت الانتباه والاهتمام إلى هذا الجانب.

 

هل هي مسؤولية فردية نلقيها على عائق المشتغلين بالموسيقا والغناء أم هي مسؤولية الجهات المعنية ذات الصلة التي من المفترض أن تعمل على هذا المشروع وتتبنى مبادراته، أم هي مسؤولية الجميع.. كل فيما يجب عليه القيام به وفعله حاجة وضرورة.. لا رفاهية ولا ترفاً.

 

أواخر تسعينيات القرن الماضي وفي لقائي معه سألت الموسيقار صلاح الشرنوبي عن الشكل الجديد التي يمكن أن تكون عليه الأغنية بعيداً عن الأنماط التقليدية فقال.. ” ابعت لي جواب “.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار