بمناسبة الصيام.. ” ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”

د. سعد بساطة
هو إكسير الحياة في بلادنا، وهو أساسي في موروثنا الشعبي، أما “أنا جائع”، فهي العبارة التي تتردد على ألسنة الأطفال (برمضان وخارجه)، تقول لهم الأم ” تلهى بقطعة خبز”.
كان الخبز، على مدار تاريخنا، هو الطعام الأكثر شعبية، ولعله ظلّ المكوّن الأشد خصوصية في تراثنا السوري، حتى وإن توافرت الأطعمة التي تحتوي على الخضر واللحوم، وذلك يعود إلى نهج مرتبط بعادات الآباء، بالإضافة إلى كون القمح منتجا رخيص الثمن، وفي متناول الجميع.

وبقي القمح صديقنا، يسدّ جوعهم ويمنحهم الإحساس بالاكتفاء، بصرف النظر عما يرافقه من طعام، حتى باتت له مكانة خاصة انتقلت من الأجداد إلى الأبناء.

يعلي السوريون، شأن الكثير من العرب والمسلمين، مكانة الخبز ورمزيته، إلى درجة أن أحدنا يخشى رمي بقايا الخبز، أو اليابس منه في سلة المهملات، حتى لا تزول النعمة.
ففي الإرث الديني نعتزّ بوصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، “أكرموا الخبز”. وفي المسيحية، وُصف السيد المسيح عليه السلام نفسه بخبز السماء، الذي يقيت النفس ويشبعها ويجعلها دائمة النماء.
بالعادة نجمع بقايا الخبز المنزلي، ليعاود استخدامه في صناعة فتة الحمص، أو فتة الدجاج، أو أكلات أخرى.
فيما يلجأ الكثيرون إلى جمعه وإطعامه للطيور والدواجن والحيوانات، وبهذا يتم تدوير الخبز بسبل شتى، ولا يلقى في سلة المهملات.
وإن وجد أحدنا فتات الخبز ملقى في مكان عام، فإن الثقافة السائدة أن ينحني ليجمعه ويقبله ثم يضعه على جانب الطريق.
الآن وفي الزمن الرديء وبسبب قلة المحاصيل بتنا ننتظر في طوابير لشراء الخبز ..!
تلك الخصوصية التي يحملها الخبز في يوميات الحلبي، جعلت لغيابه بفعل حرب التجويع أثرا مضاعفا، فزادت مشاعر اليأس، حتى وإن توافرت بشق الأنفس مواد غذائية أخرى.

لا يمر القمح مرورا عابرا في تاريخنا، بل يرد في طليعة النشاط الاجتماعي والزراعي، فيورد عالم الآثار الهولندي هنري فرانكفورت في كتابه “فجر الحضارات في الشرق الأدنى”، أن “الأصول البرية الأولى للقمح والشعير لا تزال في سوريا وفلسطين، إذ تطور فن حصاد القمح في هذه المنطقة”.

هنالك أصناف عدة عكف مزارعونا على زراعتها وطرحها في السوق، فيورد المؤلف وصفي زكريا في كتابه “المحاصيل الحقلية” عام 1951، العديد منها مثل: القمح النورسي والقمح الحوراني والذي زُرع في السهول الساحلية، وكذلك الأبوفاشي، وكذلك هناك القمح “القصري” و”الهيتي” و”دبيّة” و”ناب الجمل” وغيرها من الأنواع.

ومن وحي غزة: [قال معين بسيسو فيما مضى متنبئاً بالهجمات القذرة على المدنيين]
هذي هي الحسناء غزة في مآتمها تدور
ما بين جوعى في الخيام وبين عطشى في القبور
ومعذّب يقتات من دمه ويعتصر الجذور
لطالما كان القمح بمثابة الكنز في حكايات الأجداد الفلسطينيين، إذ اعتبروه ملاذاً من الجوع والفقر، وحامياً من العوز للآخرين في وقت الشدّة، فيرد في موروثنا الشعبي مثل يقول: “شعيرنا ولا قمح الغريب”، وفي هذا إشارة إلى أهمية زراعة القمح، والانتفاع من محصوله الذهبي، وهو ما عزف عنه فلاحونا بفعل تكلفة العناية به، وقلة مردوده النقدي، سوريا تخصصت في زراعة القمح، فكانت تعدّ سلة خبز المنطقة ونصدر للغرب قمحنا القاسي الممتاز لصناعة أفضل أنواع المعجنات، لكننا بفضل الفورة اللامظفرة بتنا مستوردين.

إضافة” للخبز، هنالك الكثير من الأكلات المعتمدة على القمح، فهنالك السميد المصنوع من طحن القمح الصلب، ويستخدمه في المعجنات وشتى أنواع الحلويات.

======
‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار