بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
إذا مـا أتـاكَ الـدَّهـرُ يَـومـاً بِـنَـكبَـةٍ
فافرغْ لها صَبرا وَوَسِّــع لَها صَدراً
فـإنَّ تَصـاريـفَ الـزَّمــانِ عَـجيبــة
فَيَوماً تَرى يُسراً وَيوماً تَرى عُسراً
أمام ما تمر به الأمة العربية والإسلامية من مصاعب ضخمة وتكالب الأعداء على شعوبها لا بد لنا من الحديث عن معنى امتازت به هذه الأمودة عبر الزمان آلا وهو الصمود والثبات.
إذ مما لا شك فيه أن الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب، التي قد تعترض طريق الإنسان سواء كانت مصاعب شخصية، أو اجتماعية، أو غير ذلك.
وقد يواجه الإنسان في مسيرته صعوبات قد تكون مدمرة إذا لم يمتلك القدرة على الثبات والصمود أمامها.
الصمود والثبات الذي ينبع من الإيمان بالله تعالى قال تعالىقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد، الآية ٧].
ذلك الصمود الذي يبعث قوةً داخلية في النفوس تجعل المرء يتغلب على العقبات ولا يستسلم لليأس، وهو ما يجعل الحياة تحمل معانٍ عظيمة في ظل هذه التحديات.
ولأن الصمود هو القدرة على التحمل والمقاومة في مواجهة الظروف الصعبة، فهو لا يعني فقط البقاء واقفاً أمام الصعاب، بل التقدم والاستفادة من هذه التجارب لنكون أكثر قوة وخبرة.
الصمود ينبع من الإرادة القوية والإيمان بأن الإنسان قادر على تجاوز المحن مهما كانت شدتها بعون الله وقدرته.
وإذا أردنا أن نتحدث عن الصمود بتفصيلٍ أكبر سنجده ماثلاً في النفس والجسد والمجتمع.
فالصمود النفسي: هو قدرة الشخص على مواجهة الضغوط النفسية والمشاعر السلبية مثل القلق، الخوف، والضغوط التي قد تؤثر على حالته العقلية.
والصمود الجسدي: يتمثل في قدرة الإنسان على تحمل الأوجاع والأمراض والإصابات، وعدم الانهيار أمام المعاناة الصحية.
والصمود الاجتماعي أو المجتمعي: يتجلى في قدرة المجتمع على مواجهة الأزمات، مثل الفقر أو الحروب، والتكيف مع الظروف المتغيرة من دون فقدان الأمل وحسن الظن بالله تعالى.
وفي كل أنواع الصمود يكون استمداد العون من الله تعالى وقد أخرج الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: «اللهم مقلبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك»
ولكي نعي ذلك الشعور “الصمود” الذي يجعل الأنسان راسخاً كالجبال لا يتزحزح عن موقفه لا بد أن ندرس الخطوات أو المراحل التي تُشكل هذا الموقف الصلب الثابت وهي:
أولاً: الاعتراف بالمشكلة: فالصمود يبدأ من إدراك الإنسان لحقيقة المشكلة والاعتراف بوجودها.
ثانياً التكيف: بعد الاعتراف بالمشكلة، يأتي التكيف معها من خلال تعديل التفكير والسلوك بما يتناسب مع الظروف.
ثالثاً التغلب على المشكلة: ويتمثل في إيجاد الحلول الملائمة للتحديات ومواصلة الحياة بقوة وعزيمة.
رابعاً النمو: فالإنسان الصامد لا يكتفي بتجاوز المشاكل، بل يستخدمها كنقطة انطلاق للنمو والتطور.
وعندما يمتلك الإنسان أدوات الصمود في أرض الصعوبات سوف يحصد غلاله وثماره ونتائجه؛ وأولى الثمار هي النضوج والخبرة في ميادين الصعاب والمبادرة لإيجاد الحلول بحكمة واقتدار مع الثقة بالنفس التي تزداد شيئاً فشيئاً من خلال مواجهة التحديات وعدم الاستسلام، فيصبح الإنسان قادرًا على تحقيق أهدافه على المدى الطويل.
وفي هذه الأوقات العصيبة التي نعيشها، على امتداد الرقعة الجغرافية لوطننا العربي وما نعانيه من إبادات جماعية في غزة وجنوب لبنان والتي تقوم بها كيانات الشر والحقد وأعداء الإنسانية؛ نحتاج إلى الصمود والثبات أكثر من أي وقت مضى. فالصمود هو السلاح الذي نواجه به التقلبات والمحن، وهو القدرة التي تجعلنا نقف بقوة أمام العواصف والهجمات مهما كانت شدتها.
نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نتحمل الضغوط ونتجاوز المحن، لأن الحياة لن تخلو من الصعوبات، ولكن بالصمود والثبات يمكننا تحويل كل عقبة إلى فرصة للنصر المبين.
بالصمود والثبات تتحول المحن إلى منحٍ إلهية وهبات ربانية مدهشة.