د. سعد بساطة
خلق الله الكون ملوناً.. لكن البشر يميلون لإلصاق صور ونعوت معينة لكل لون؛ فالحقد أصفر؛ والغضب أحمر؛ والتفاؤل وردي؛ واللؤم أسود..، وهكذا…!
لمزيد من حزن الإنسانية وأسف الأفارقة؛ فقد كان من حظ لون بشرتهم ‘الأسود’ أن ألصق به نعوت مثيرة؛ كلها بعيدة عن التسامح.
فاللون الأسود هو الذي يعبر عن الخوف من حلكة الليل؛ والحزن والشر والاكتئاب والموت؛ يقول الانجليز عن نكتة جارحة بأنها نكتة سوداء (Black joke)؛ وهنالك اخيراً السوق السوداء!
دعونا نتحدث عن السوق السوداء وما تعنيه..
هو تعبير عن السوق غير النظامية، إما بسلع مهربة او مسروقة أو لا تحمل المواصفات؛ او السلع المخالفة (مخـ،،ـدرات، أسلحة، مواد ممنوعة أخرى).
وفي الغرب تصف سوق العمل بدون ترخيص نظامي.
ولا ننسى في هذا السياق السوق السوداء للتعامل بالعملات الأجنبية؛ خارج النظام المصرفي.. وايضاً سوق الاتجار بالبشر ( للعمل؛ للدعـ،ـارة؛ للأعضاء).
واللاعبين الأساسيين في مثل هذه السوق: البائع والمشتري؛ والوسيط.
أحدهم.. أثناء نقله ثلاثة أشخاص عبر البحر؛ من بلد لآخر؛ فوجئ بأن الزورق _ لسبب فني_ لايتحمل الوزن.. هنا نظر للأمتعة؛ وشاهد ٨٠ كغ من سبائك الذهب؛ وبدون تردد رماها في البحر.. لاحقاً عندما هنأته الصحافة على قراره الحصيف؛ أجاب بابتسامة ” أعضاء الثلاثة في السوق السوداء تعادل أضعاف ثمن الذهب”!
أثناء فترة الستار الحديدي في الاتحاد السوفيتي السابق؛ تقابل ثلاث عمال من أحد المصانع في السجن؛ وتساءل كل منهم عن سبب احتجاز الآخرين؟
الأول: كنت أصل للمصنع متأخراً؛ فاتهمت بتعويق الانتاج؛ وتم اقتيادي للسجن.
الثاني: كنت أصل للمصنع مبكراً؛ فتم اتهامي أنني أبكر بغية التجسس لصالح جهة أجنبية؛ وها أنذا هنا…!
الثالث: كنت أصل للمصنع بالوقت المحدد؛ فتم تفتيشي؛ ولوحظ معي ساعة غربية دقيقة لضبط مواعيد عملي؛ هنا تم اتهامي بشرائها من السوق السوداء ؛ واقتادوني للسجن!
أثناء فترة الحصار الغربي الجائر على مصر بفترة الخمسينات بعد تأميم قناة السويس؛ حصلت أزمة للرز. وتجنب أحد المواطنين الشرفاء من القاهرة شراؤه من السوق السوداء؛ ونصحه جاره بالشراء من الاسكندرية لتوافر المادة هناك. وفعلاً في يوم الجمعة استقل القطار الى هناك؛ في منتصف المسافة وعند اقتراب القطار من طنطا (بمنتصف الطريق) طلب منه المفتش النزول من القطار؛ فلما أبدى استغرابه كونه على بعد ١٠٠كم من مقصده؛ أجابه المفتش” هنا يبدأ طابور الانتظار لشراء الرز”!
وصفنا المشكلة؛ ونبحث الآن في سيناريوهات الحلول. بعيداً عن الدعابة او التنظير؛ ليس الحل سهلاً ولكن. يجب على صناع القرار اتخاذ تدابير من شأنها اجتثاث المشكلة من جذورها؛ لا مجرد تدابير زجرية.. وقد يكون اولها مجموعة قرارات لإصلاح تشوهات السوق ومنع الاحتكار؛ مع شعور حقيقي بنبض الشارع وألم المستهلك.