بقلم || سعد الراشد
لعل الزائر لمدينة حلب “العاصمة الاقتصادية لسوريا”، بعد سقوط النظام البائد في 8/12/2024، سيجد نفسه أمام مدينة تحمل الكثير من الهموم والمآسي، والأهم التناقضات. الناس فيها فرحون رغم أنهم منهكون وفقراء.
الشوارع والحارات بعد التحرير باتت تضج بالحياة، في مركز المدينة، حيث ساحة سعد الله الجابري، وفي جميع أسواقها تجد الناس بمختلف مشاربهم؛ منهم من يعمل بالصرافة – التي كانت من المحرمات أيام النظام البائد – وعقوبتها كانت بالويل، ومنهم من يبتاع الحاجيات بأسعار منافسة وبضاعة مستوردة وذات نوعية جيدة تليق بكرامة المواطن، ومنهم من يلبي حاجة الأولاد بألعاب متنوعة، وسواها. أبنيتها لم يطرأ عليها جديد منذ سقوطها بيد النظام قبل سنوات، لكنها تبقى ساحرة من فوق قلعتها الشامخة.
قبل ثمانية أعوام تقريبًا، خرج الثوار من حلب إلى إدلب – التي زرتها اليوم بعد غياب – ولنستعرض بعجالة ما تعيشه حلب مقارنةً بإدلب على أرض الواقع.
للأسف، حلب لم تبقَ على حالها، بل على العكس، كانت تنازع أكثر وأكثر. فلا أبنية مهدّمة عمّرت أو أُهّلت، ولا طرقات صُلحِت، إلا ما رحم ربي، ولا مشاريع مهمة بدأت، ولا اقتصادها الذي ملّ أصحاب الشأن من كثرة مطالبهم لإصلاحه، دفع بالكثير منهم إما للهجرة خارجًا أو للإغلاق. ولا شيء حصل فيها سوى كثرة الجباية والتحصيل الضريبي الذي بات يُضرب به المثل، والتلذذ بالتحايل على المواطن وكيفية تخليصه الأموال، عبر سياسات وقرارات ما أنزل الله بها من سلطان، الهدف منها إذلال وإفقار الجميع، لعل آخرها مشروع “صفة” سيئ السمعة، وقبلها مشروع “الأمبيرات” الذي لم نجد له حلًا منذ أكثر من عشر سنوات.
الدخول إلى حلب دائمًا له رهبة، سواء قبل سقوط النظام البائد أو الآن، لكن سرعان ما يراود الذهن كل من زارها مجددًا أنها لن تنتظر مطولًا، ويقينًا أنها ستنهض النهضة التي تستحق، كما فعلت إدلب بإمكاناتها البسيطة وبتجربتها الفريدة رغم ظروفها الصعبة التي مرت بها حتى لحظة إعلان النصر والتحرير.
سكان حلب هم أنفسهم، لكن ملامحهم تغيرت. الآن أصبح يقصدهم زوار، خاصة من إدلب وريفها، وهو ما تشير إليه لوحات السيارات التي تجول شوارعها، وتبدو لافتة للجميع. لكل لوحة شكل ورقم ونوع فاره لمن يشاهده لأول مرة، وعادية عند سكان الشمال السوري الذين نسوا “الجمركة” واقتصاد الجباية الذي كان يفرض على حلب.
حلب كانت مصدر إلهام لكل من مرّ وعمل بها، كانت الصناعة والتجارة والثقافة والحضارة والعراقة، لكن الهارب تركها من حاضرة تنبض بالحياة إلى مريض ينتظر العلاج. الأبنية فيها التي كانت تحكي قصص الماضي الجميل، بقيت جدرانًا مهدّمة وكأطلال لا تذكر سوى الحزن.. وللحديث بقية..