بقلم || محمود جنيد ..
في مثل هذا اليوم من عام 2011، انطلقت شرارة الثورة السورية لتضيء درب الحرية والكرامة في وطنٍ رزح تحت سياط الظلم والاستبداد والطغيان لأكثر من خمسة عقود سوداء.
أربعة عشر عاماً من النضال الثوري ضد الديكتاتورية والقمع والفساد، جسد خلالها السوريون ملاحم الصمود والتضحية التي أعادت كتابة التاريخ بمداد دماء الشهداء، والمعتقلين الذين يقابلهم أفواج من النازحين في الداخل، والمهجرين اللاجئين في أصقاع العالم. بينما يحل الدمار والخراب بشراً على حجر في كل مكان، لتكون نتيجة ذلك الحراك الوجودي بزوغ فجرٍ تنفس معه السوريون عبق الحرية في الثامن من كانون الأول 2024، ذلك التاريخ الذي استجاب فيه القدر لإرادة الشعب الحر الأبي.
هتف الشعب للحرية، ونادى أطفال درعا الأحرار بإسقاط نظام البراميل بعبارات خلدتها جدران مدرسة الأربعين، واستشرفت سقوط الطاغية بعبارة “أجاك الدور يا دكتور”، محاكاة لحراك الربيع العربي الذي استهلته الثورة التونسية بإعلان “هرمنا”، وأطاح بالنظامين الليبي والمصري. قبل أن يُعتقل الأطفال، ويطالب الجزارون أهالي درعا بنسيان أطفالهم وإنجاب أطفال غيرهم، ليكون ذلك منطلقاً للمظاهرات التي عمت لاحقاً مختلف المحافظات السورية. وجوبهت بالممارسات الوحشية، والاعتقالات التي شملت المتظاهرين السلميين والناشطين، والاعتداء بالرصاص الحي لتفريق المظاهرات من قبل النظام المجرم، مما تسبب بارتقاء طليعة شهداء الثورة ومن بينهم حسام عياش ومحمود جوابرة.
على إثر ذلك، استمر الحراك المطالب بالتغيير والإصلاح السياسي، وبناء دولة حرة ديمقراطية. وتوحدت الجهود على الصعد كافة، وأنشئت المجالس المحلية والتنسيقيات لإدارة الأمور. وحصلت الانشقاقات في صفوف جيش النظام، وأُسس الجيش الحر لحماية الأهالي، في الوقت الذي جنح فيه النظام العاجز لاستخدام العنف والقصف الجوي والسلاح الكيماوي الذي خلف المجازر، مع استخدام سياسة التطويع والتجويع والحصار.
تشكل المجلس الوطني السوري جامعاً مكونات سورية من جميع الأطياف لخدمة الحراك الوطني، وتشكيل حكومة انتقالية لتحقيق أهداف الثورة. قابله تدخل جهات خارجية، من بينها ميليشيات طائفية ساندت النظام عسكرياً وسياسياً ضد الثورة وأسهمت في تأجيل سقوطه، الذي أمعن في قتل المدنيين، من بينهم من قضى تحت التعذيب واعتُقل كثيرون آخرون، وتشريد الملايين، إضافة للاعتداءات على المنشآت الطبية، ودور العبادة، والمدارس، وتدمير العديد من المناطق والبنى التحتية، وكل ذلك وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
في يوم السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024، أطلقت فصائل المعارضة السورية معركة “ردع العدوان” التي تمكنت خلال أيام معدودات من السيطرة على مدن الشمال السوري: إدلب وحلب، مروراً بحماة وحمص، وصولاً إلى العاصمة دمشق التي تمت السيطرة عليها في اليوم الحادي عشر للمعركة. وقبل ذلك، كان الطاغية قد شكل فراره الجبان، ليعلن النصر وتحرير سورية بعد أكثر من خمسة عقود من الظلم والطغيان.
أما اليوم، فها هو الشعب السوري يحتفل بالذكرى الرابعة عشرة للثورة التي نجحت في مسعاها، وحررت البلاد والعباد، وأعادت سوريا الحرة للخارطة الإقليمية والسياسية، ضمن إطار المرحلة الانتقالية وخطواتها البنائية على جميع الأصعدة، التي توجها الإعلان الدستوري، في سبيل وطنٍ آمنٍ سالمٍ مستقرٍ متعافي، واحد موحد بجميع أطيافه ومكوناته وأعراقه. وليكون الهتاف الرسمي بمضامينه وأبعاده، الذي يعبر عن المرحلة والعهد الجديد: “ارفع رأسك فوق، أنت سوري حر”.