بقلم || محمد العنان
دون أدنى شك، لم تكن الشعارات والصور والرموز التي كرّسها النظام البائد خلال أكثر من نصف قرن، مجرد مبادرات فردية أو جماعية، تتناغم مع عمل مؤسساتي في سياقهِ الوطني، بل كانت جزءاً من سياسة استراتيجية مُحكمة، تهدف إلى ترسيخ رؤيةٍ ثابتة، تم طبخها على نيران هادئة، تتجاوز في أهدافها فكرة الدولة والوطن، وتكرّس فكرة الاستئثار بالسلطة إلى أبد الآبدين.
فخلال عقودٍ خَلَت تحولت سورية بمؤسساتها وشوارعها وساحاتها ورموزها التاريخية، إلى مجلةِ حائطٍ تُمجّد البطولات المزعومة للنظام الحاكم، وتتباهى بالأقوال والأفعال والحركات، وتعمل على توظيف كل قصة نجاح في المجتمع، لتصبَّ في جعبةِ الطاغية الذي استأثر بكل مقومات البلد وخيراتها ومصادر قوتها العسكرية والأمنية والإقتصادية.
سنوات طويلة من الاستبداد والطغيان أُغرقت فيها البلاد بأسماءٍ وصور ورموز، غَزَت كل زاويةٍ وشارعٍ وميدان، واستطاع النظام بناءَ أمجاده عبر قنوات متنوعةٍ، استغلّ فيها المنظمات الشعبية، وتوظيف المؤسسات الثقافية والإعلامية والفنية، للتلاعب في عقول الأجيال صغيرها وكبيرها، ، وتكريس صورة البطل الواحد والرّمز الأوحد، الذي لا يُدانيهِ شيء، حيث لا مستقبل للمملكة السورية بدونه.
اليوم، وقد تلاشى هذا الجبروت والطغيان، بعد سنواتٍ طويلةٍ من سِنِيّ الثورة، والتضحيات التي قهرت هذا الوهم وزعزعت أركانه، ما زالت بعض رموز هذا النظام وشعاراته، تتزاحم في الكثير من المواقع العامة رغم إزالة الكثير منها.
ولعلّ القرار الذي اتخذته محافظة حلب لإزالة ماتبقى من هذه الرموز والدلالات، قد جاء في سياقه الطبيعي، ليس لسقوط الطاغية بكل جبروته واستبداده فحسب، بل لسقوط كل ماتحمله من أوجاع وآلام وجر.ائم، وتأكيداً على أن إرادة الشعب لابد أن تنتصر، وأن تلك المخرجات التي تكرست عبر عقود، وأُنفق عليها الكثير من التخطيط والمال، هاهي اليوم تتهاوى دفعةً واحدة، مع ولادةِ فجرٍ جديد، ومستقبلٍ أفضل، لا مكان فيه لتلك الحقبة المظلمة ورموزها ودلالاتها.
“الله غالب”