إرث ” التفقير” الذي خلفه النظام البائد

بقلم محمد سلام حنورة …

في البلدان التي تحترم شعوبها، يُنظر إلى الفقر على أنه مشكلة اجتماعية يجب معالجتها.

أما في سوريا، وخلال 54 عامًا من حكم حزب البعث وعائلة الأسد، فقد جرى التعامل مع الفقر وكأنه فضيلة وطنية، أو حكمة كونية، أو حتى واجب أخلاقي يُمتحَن فيه إخلاص المواطن.

لقد حوّل النظام السوري البائد الفقر من نتيجة إلى أداة، ومن مأساة إلى مبرر للاستمرار، ومن جريمة إلى هوية جماعية قسرية.

فمنذ وصول المقبور إلى الحكم عام 1970، تكرّست عقلية الدولة الأمنية التي ترى في الفقر وسيلة لضبط المجتمع، وإضعاف إرادته، وتفريغ الحياة اليومية من معناها السياسي.

جرى تجريد الطبقات المنتجة من أدواتها، وتفكيك البنية الاقتصادية الوطنية لصالح قطاع عام بيروقراطي لا وظيفة له سوى التبعية، ثم جرى لاحقًا تسليم مفاتيح الاقتصاد إلى الدائرة الضيقة من رجال الأعمال المتّصلين بالعائلة الحاكمة، تحت يافطة “الانفتاح الاقتصادي” الذي بدأ مطلع الألفية.

في علم الاجتماع، يُعرّف الفقر بأنه حرمان لا من المال فقط، بل من الاختيار.

وهذا ما تم فعله في سوريا، خُيّر المواطن بين الولاء والجوع، بين السكوت والنجاة، بين الخنوع والاستمرار.

ومع الوقت، لم يبقَ الفقر حالةً بل أصبح نمطًا ثابتًا للعيش، مفروضًا بالقهر لا بالصدفة.

تم تحويل الطوابير إلى مشهد اعتيادي، وتمت مأسسة الإذلال، من توزيع الخبز، إلى الدعم التمويني، إلى الخدمات الأساسية.

كل شيء كان خاضعًا للولاء السياسي.

بل إن الفقر ذاته بات يُستخدم لتحديد من يستحق الحياة ومن لا يستحقها.

سقوط النظام البائد في كانون الأول 2024 كان لحظة تاريخية فارقة، لكنه لم يكن نهاية الألم.

فقد ورث السوريون إرثا ثقيلا فالبلدً متعب والمجتمع منهك والاقتصادً صفر ومفرغ من قدرته الإنتاجية، وشعبً نصفه في الشتات ونصفه الآخر تحت خط الفقر.

اليوم، علينا كسوريين أن نستعيد حقنا في الحلم، وأن نعيد تعريف الفقر لا كـ “صبر وطني”، بل كجريمة سياسية.

يجب أن يُفتح ملف التفقير الممنهج كما تُفتح ملفات القتل والتعذيب والتغييب القسري، ويجب أن تتحول العدالة الاقتصادية إلى ركن أساسي من أركان بناء سوريا الجديدة وملاحقة من كان سببا في دمار البلد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار