بقلم: محمد سلام حنورة ,, في السويداء بات الناس رهائن في مدينتهم. ليسوا رهائن لجيوش غازية أو قوى أجنبية، بل رهائن لقرار واحد، وصوت واحد، وشخص واحد يدّعي أنه يمثلهم جميعاً، بينما يغلق أبواب المدينة أمام الخدمات، والإعلام، بل وحتى الهواء. في السويداء لا يستطيع وزير صحة أن يدخل ولا يُسمح لفرق الدفاع المدني بإطفاء الحرائق وتقديم المساعدة للجوعى والعطشى ومساندة المرضى ولا يُتاح للصحفيين أن ينقلوا الصورة. لماذا؟ لأن حكمت الهجري قرر أن يكون هو الدولة، وهو الإعلام وهو الأمن وهو المتحدث باسم كل الناس. لكن من قال إن كل الناس فوضوه؟ من قال إن أرملة تنتظر راتب زوجها أو فلاح يعاني من الجفاف في ارضه أو شاباً يريد فقط أن يعيش أعطوا الهجري هذا التوكيل؟ الهحري تحوّل فجأة إلى قائد سياسي مطلق لا يقبل التعدد ولا يسمع الأصوات الأخرى بل يصادرها تماماً. لم يعد يُخاطب باسم طائفة أو شريحة، بل يتحدث وكأنه الممثل الحصري لمحافظة كاملة، بكل تنوعها الطائفي والفكري والإنساني. الإنسان في السويداء اليوم متعب، حائر، قلق. يريد خدمات، تعليم، طبابة، أمن، لكنه يصطدم بحصار داخلي، بقرارات فوقية تُتخذ باسمه دون أن يُسأل. من قال إن كل درزي يتفق مع الهجري؟ ومن قال إن أبناء الطوائف الأخرى في المحافظة – من مسلمين ومسيحيين وغيرهم – يقبلون أن يُختصر مصيرهم برجل واحد ؟ لماذا تُفرض هذه الوصاية الثقيلة على أرواح الناس، وعلى يومهم العادي؟ هناك من يظن أن رفض الحكومة هو بداية “التحرر”،لكن أي تحرر هذا الذي يُمنع فيه الدفاع المدني من إنقاذ الأرواح؟ أي كرامة في أن يُمنع الصحفي من نقل صوت المواطن؟ أو أن يُقطع الطريق على طبيب أو موظف قادم لوظيفته ليعيش ؟ غياب الدولة لا يخلق حرية، بل فراغاً تملؤه الفوضى وغياب الأمن والآمان . وفي السويداء، الفراغ هذا ملأه رجل واحد باسم الدين، لكنه استخدمه في السياسة، وأغلق به الأبواب على مدينة بأكملها. حين تتحدث مع أهل السويداء، لن يحدثوك عن مشاريع سياسية معقدة، بل عن الكهرباء، المياه، الأمان، الطبابة، الجامعة، الراتب، العمل. مشاكلهم إنسانية جداً، يومية جداً، بسيطة جداً… لكنها صارت مستحيلة في ظل قوى تحوّلهم إلى أدوات تفاوض، أو إلى أرقام على الطاولة. الدعم الخارجي الذي يتلقاه الهجري – سواء إعلامياً أو سياسياً – لا يطعم طفلاً، ولا يؤمّن دواءً، ولا يُعيد غائباً. ما يبقي المجتمع حياً هو التماسك الوطني، لا التموضع في أحضان الخارج. السويداء ليست ملكاً للهجري، ولا لأي طرف، هي ملك لأهلها جميعاً، بتنوعهم، بأحلامهم الصغيرة، بقلقهم الصادق. وأي حل لا يراهم، لا يسمعهم، لا يصدقهم، فهو مرفوض لانه ببساطة مرتهن لخائن وعميل لقوى خارجية لا تريد خيرا للمدينة وأهلها .