كيف نأتي بمعرض دمشق الدولي إلى حلب؟

الجماهير || محمود جنيد ..

بدأ العد التنازلي لحدث افتتاح معرض دمشق الدولي، بنسخته الأولى بعد التحرير ، حيث تفتح سوريا قلبها وذراعيها لاحتضان العالم، معلنة عن بداية فصل جديد من فصول النهوض من تحت أنقاض الحرب والدمار الذي أصاب بنيتها التحتية وعصبها الاقتصادي والخدمي. حين تلتقي منتجات المصانع الكبرى مع إبداعات الورش الصغيرة، يطرح هذا المحفل السنوي الحيوي سؤالاً مصيرياً بالنسبة لحلب، المدينة الاقتصادية العملاقة: كيف يمكن لها استثمار هذا التجمع الدولي على أراضينا، وتحويله إلى جسر للترويج وتصريف الإنتاج الحلبي بشكل دائم، على مدار السنة وليس موسميًا؟

إن نجاح المعرض في جمع شمل الاقتصاد السوري هو إنجاز بحد ذاته، لكن الاستفادة القصوى منه تكمن في “استدامة تأثيره”. فالحكمة ليست في صيد سمكة للمدينة، بل في تعليمها كيف تصطاد كل يوم؛ إذ إن اقتصادًا يعاني من إشكاليات هيكلية عميقة يحتاج إلى قنوات دائمة للتواصل والتصدير والتمويل، وليس لمناسبات موسمية فقط.

وعندما يُطرح السؤال: لماذا يجب لاقتصاد حلب أن يستفيد من المعرض بشكل أوسع؟

فإن حلب تمتلك الإجابة التاريخية الحاسمة، فهي كانت ذات يوم “عاصمة الصناعة السورية”، وتحتفظ بقاعدة إنتاجية هائلة ومتنوعة، تشمل: المنسوجات، الأغذية، الصابون الحلبي، الصناعات الهندسية والبلاستيكية. ومعرض دمشق الدولي هو النافذة الوطنية الأبرز لعرض هذه الإمكانيات، التي تواجه تحديات مستمرة، منها:

– صعوبة الوصول إلى الأسواق الخارجية بعد انقطاع سلاسل التوريد القديمة.

– حاجة المنتجين المحليين إلى نقطة اتصال دائمة مع المستوردين والمستثمرين.

– المنافسة الشديدة من المنتجات المستوردة التي انتشرت بالسوق المحلية.

كما أن الاعتماد على حدث سنوي وحيد يجعل مكاسب الصناعة الحلبيّة هشة وعرضة لأي تقلبات. لذا، يجب أن يكون المعرض منصة انطلاق، وليس محطة نهائية، وتُحتاج إلى مقترحات عملية لتحويل زخم المعرض إلى استدامة اقتصادية لحلب، منها:

1. ركن حلب الدائم: من المناسبة الموسمية إلى المعرض المستدام

يجب أن يتحوّل “ركن حلب” في معرض دمشق من مساحة مؤقتة إلى “جناح دائم” يُمثّل المدينة على مدار العام، حتى خارج أوقات المعرض، ويكون:

– نقطة تسويق وعرض دائمة للمنتجات الحلبية لزوّار العاصمة طوال السنة.

– مركزاً لاستقبال طلبات التجار والمستوردين من داخل سوريا وخارجها.

– نافذة ترويجية لعلامة “صنع في حلب” التي تحمل قيمة تاريخية وضماناً للجودة.

2. المنصة الإلكترونية الموحدة: معرض دمشق الافتراضي يمتد إلى حلب

ينبغي استثمار الزخم الإعلامي للمعرض هذا العام، لإطلاق “منصة إلكترونية موحدة” تكون امتداداً رقمياً له، وتخصّ مدينة حلب ومنتجيها، وتتمثل مهامها في:

– تسويق المنتجات الحلبية للعالم طوال السنة.

– توفير خدمة التوصيل واللوجستيات لربط المنتجين في حلب بالعملاء في دمشق وباقي المحافظات، وحتى خارج البلاد.

– تقديم معلومات بعدة لغات لجذب المستثمرين الأجانب إلى القطاع الصناعي في حلب.

3. معارض ترويجية مصغرة ومتخصصة: “أسبوع حلب الصناعي” في دمشق

ينبغي الاستفادة من البنية التحتية للمعرض على مدار العام، من خلال تنظيم معارض مصغرة دورية لمنتجات حلب، مثلاً: أسبوع المنتجات الغذائية الحلبية، معرض المنسوجات والسجاد الحلبي، ومعرض الصناعات الهندسية والبلاستيكية، لتعزيز الترويج وتوزيع النشاط الاقتصادي، مع توفير فرص تواصل دائم بين تجار العاصمة ومنتجي حلب.

4ـ قوافل تجارية عكسية: عندما تأتي دمشق إلى حلب

الفكرة المهمة هنا هي أن “يأتي المعرض إلى حلب”، إذ يمكن تنظيم “قوافل تجارية” دورية من تجار ومستوردي العاصمة (دمشق) لزيارة المصانع والورش في حلب. هذه الزيارات الميدانية تتيح للتجار رؤية الطاقة الإنتاجية الحقيقية عن كثب وبناء ثقة أكبر، كما تشجع على عقد شراكات مباشرة وتوقيع عقود توريد طويلة الأمد تتجاوز حدود الحدث السنوي.

أخيراً:

إن معرض دمشق الدولي هو أكثر من مجرد حدث؛ إنه رسالة ثقة للعالم بأن الاقتصاد السوري ما زال قائماً. والخطوة المنطقية التالية هي تحويل هذه الرسالة إلى واقع اقتصادي دائم للمحافظات جميعها، وعلى رأسها حلب.

تحويل الزخم الإعلامي والتجاري للمعرض إلى اقتصاد مستدام يتطلب وجود رؤية استراتيجية موحدة وتعاوناً وثيقاً بين غرفتي تجارة دمشق وحلب واتحاد الحرفيين. بهذه المقترحات، نضمن ألا تظل حلب ضيفة موسمية على العاصمة، بل تكون شريكة دائمة وفاعلة في بناء الاقتصاد الوطني طوال أيام السنة.

 

 

#صحيفة_الجماهير

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار