بقلم العميد أحمد حمادة..
انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في العاصمة القطرية الدوحة في توقيت بالغ الحساسية، على خلفية التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق، والذي بلغ ذروته باستهداف قيادات فلسطينية على الأراضي القطرية، في خطوة وصفها البيان الختامي للقمة بـ”العدوان السافر على سيادة دولة عربية وتهديد مباشر للأمن الإقليمي”.
القمة، التي جاءت في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة وتراجع فعالية المنظومة الأمنية التقليدية، طرحت أسئلة وجودية على الدول العربية والإسلامية: إلى متى سنظل نعتمد على مظلات خارجية لحماية أمننا؟ وكيف يمكن بناء نظام أمني ذاتي في مواجهة العدوان والتدخلات؟
تضامن عربي… ولكن بشروط
البيان الختامي عبّر عن إدانة جماعية للهجوم الإسرائيلي، ودعا إلى مراجعة شاملة للعلاقات مع تل أبيب، مع التأكيد على دعم القضية الفلسطينية وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال. إلا أن التباينات بين المواقف الرسمية لبعض الدول كانت واضحة، حيث تحفظت أطراف على “أي تصعيد مباشر” قد يضر بمصالحها مع القوى الدولية أو يعقد ملفاتها الداخلية.
في المقابل، الشارع العربي والإسلامي، الذي راقب مجريات القمة بقلق وترقّب، لم يُخفِ خيبة أمله. فبينما تنتظر الشعوب إجراءات حاسمة، مثل فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل أو تفعيل آليات الدفاع المشترك، جاءت مخرجات القمة في أغلبها تصريحات دون ترجمة عملية على الأرض.
منذ أكثر من عقدين من الزمن والعالم العربي يعتمد بشكل أو بآخر على التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة والغرب والشرق أيضا كضمانة للاستقرار لكن السنوات الأخيرة وخاصة منذ هجمات أرامكو في السعودية وحرب غزة 2023، والاعتداء الأخير على قطر، أثبتت محدودية هذا الاعتماد على الغرب، وعلى رأسه واشنطن التي باتت أكثر انشغالًا بإدارة صراعاته مع القوى الكبرى، وأقل التزامًا بتأمين حلفائها التقليديين في المنطقة وخاصة إذا تعلق الأمر بإسرائيل.
في هذا السياق، تبرز القوى العالمية الصاعدة، مثل الصين وروسيا، كلاعبين محوريين يعيدان تشكيل موازين القوى على المستوى الدولي. وقد أظهرت هذه الدول استعدادًا أكبر لفتح قنوات تعاون استراتيجي مع الدول العربية، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي أو التكنولوجي. لكن التعامل مع هذه القوى يتطلب سياسة عربية أكثر استقلالاً وواقعية، توازن بين المصالح ولا تستبدل تبعية بتبعية.
من الدفاع بالوكالة إلى الأمن بالذات
الاعتداءات المتكررة على دول عربية، وتحديدًا قطر مؤخرًا، كشفت عن فجوة كبيرة في بنية الأمن الجماعي العربي. الاعتماد على بيانات الإدانة أو تحالفات ظرفية لم يعد يجدي. المطلوب اليوم هو تحرك عربي جاد نحو بناء منظومة أمن إقليمي موحدة، تقوم على أسس واقعية تشمل التنسيق العسكري والاستخباراتي وكان التحالف السعودي الباكستاني الأسرع بعد ضرب الدوحة وإن تبادل المعلومات، وإدارة الأزمات بشكل جماعي عربي وسلامي ربما يكون بديلا مقبولا وناجعا بدل الاعتماد على واشنطن بالكلية.
هذه المنظومة إذا وجدت يجب أن تتضمن كذلك التعاون في مجالات الأمن السيبراني، ومكافحة الإرهاب، وتأمين موارد الطاقة والمياه، لا سيما مع تزايد التهديدات غير التقليدية. باختصار، المنطقة بحاجة إلى مفهوم أمني عربي جديد ينطلق من المصلحة القومية وليس الإملاءات الدولية.
ولا يمكن تحقيق أمن مستدام دون معالجة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. والبطالةوالتفاوت الاقتصادي، والاعتماد على الخارج في التكنولوجيا ومشكلة الغذاء، كلّها عوامل تضعف الجبهة الداخلية لأي دولة. من هنا، تبرز أهمية تعزيز التعاون العربي والإسلامي في مجالات البنية التحتية، الطاقة، الغذاء، والتكنولوجيا، بما يعزز مناعة الشعوب ويقلل من فرص التدخل الخارجي.
الدول العربية تملك من الموارد البشرية والطبيعية والمالية ما يؤهلها للعب دور فعّال في رسم سياسات عالمية متوازية وتأمين الأمن القومي لها إن توافرت الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية.
فقمة الدوحة لم تكن مجرد اجتماع طارئ لبحث اعتداء عابر، بل شكلت اختبارًا حقيقيًا للإرادة العربية والإسلامية في مواجهة مرحلة دولية تتغير بسرعة. وإذا كانت بيانات التضامن مطلوبة، فإن حماية الأمن القومي لم تعد تحتمل التأجيل أو الخطابات العامة.
إن التحرك نحو نظام أمني إقليمي مستقل، وتفعيل أدوات القوة الذاتية، والتوجه نحو تحالفات متوازنة مع القوى الصاعدة عالميًا، ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية لحماية الأوطان والسيادة، وضمان المستقبل.
#صحيفة_الجماهير