الجماهير ـ الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
ها هو شهر رجب الفرد يقبلُ علينا ببركاته وتجلياته وذكرياته، وعبقه السماوي، يحمل معه ألقاً لطالما منح الكون جمالاً وكمالاً ونوالاً، إنّه ألقُ ذكرى الإسراء والمعراج شهر رجب الذي يُتيح لنا التأمّل في تلك البقعة المكانية والزمانية التي باركها الله تعالى بكل تفاصيلها من المسجد الأقصى وقبة الصخرة وحائط البراق و… ويوافق شهر رجب في هذا العام شهر آذار الذي يأتي هو الآخر ليذكرنا ولكن بذكرياتٍ من نوعٍ أُخر منها: أنه في الثالث من آذار عام (2005م) افتتح الكيان الصهيوني مصلّى جديد لليهود جنوب حائط البراق وذلك ليزيد في الكذب والادعاء حول تراث الحائط وليُكرّس السيطرة على المسجد الأقصى المبارك.
وحائط البراق هو الحائط الذي يحد الجهة الغربية للحرم المقدسي، ويبلغ طوله نحو خمسين متراً، وارتفاعه عشرين متراً، ويُسمى أيضاً بباب الرحمة، وتزعم الصهيونية أنه حائط المبكى.
يعتبر الصهاينة هذا الحائط رمزاً لهم. ويعتقدون أنه من بقايا هيكل سليمان المزعوم، حيث أنه يمثل الأثر الأخير الباقي من هيكلهم حسب مزاعمهم. وسبب إطلاق تسمية (حائط المبكى) هو الطقوس التي يمارسونها حداداً على خراب هيكلهم المزعوم، فيتخذونه مُصلى لهم، وقد حاول الصهاينة في أيام الدولة العثمانية شراء الحائط فلم يفلحوا، وكرروا المحاولة وفشلوا مرة أخرى عام 1914 م.
وكانت البيوت قديماً وحتى عام (1967م) تحيط بالسور وتلاصقه، وكان حائط البراق مكشوفاً، وأمامه ما يشبه الممر. فكان اليهود يأتون إلى هذا الجزء من السور يبكون عنده، وعندما استولى الصهاينة على المدينة القديمة عام (1967م) تم هدم حي المغاربة الملاصق للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك بما فيه من آثار ومدارس ومسجدين وتكايا وزوايا ومباني شرد أهلها في الأيام الأولى للاحتلال ونسفوا المنازل التي تحيط بالحائط وأقاموا أمامه ساحة كبيرة ليتجمعوا فيها ، واستولوا على مفاتيح باب المغاربة، ولاتزال معهم حتى الآن.
ومع أنه لم يرد ذكر الحائط في الموسوعة اليهودية عام (1901م) فقد اعتبره اليهود معلم يهودي ومقدس، وقد تم دحض هذا الادعاء من جانب اللجنة الدولية المتفرعة عن عصبة الأمم عام (1929م) وذلك بعد ثورة البراق.
وحائط البراق في الحقيقة الراسخة هو المكان الذي أوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق عنده في أثناء قدومه من مكة المكرمة إلى الأقصى المبارك في رحلة الإسراء والمعراج وقد ورد ذلك صراحةً في السنة النبوية الشريفة فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ سيدنا أَنِسٍ بِنِ مَالِك -رضي الله عنه- أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( أُتِيتُ ليلة أُسري بي بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِس قَال فخرق جبريل الصخرة بإصبعِه وشدَّ بها البراقَ (الْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهاِ الْأَنْبِيَاءُ) ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ).
وفي الختام نردد:
مني السلامُ على جدرانِ أقصانا…
ذاك العظيم الذي قد زان دنيانا.
وقد نسجنا على أعتابه قمماً…
من البطولة فاستغنى وأغنانا.
رقم العدد 15612