الجماهير- بيانكا ماضيّة
أقامت مديرية الثقافة بحلب/ المركز الثقافي في الصاخور وبالتعاون مع جمعية أصدقاء اللغة العربية، محاضرة بعنوان: اللغة الأم والهوية، ألقاها الباحث محمد سميّة، وذلك في مركز ثقافي العزيزية.
فيما قدمت وأدارت الحوار رئيسة مجلس جمعية أصدقاء اللغة العربية الأديبة سها جلال جودت.
تحدث سمية في محاضرته عن علاقة اللغة بالهوية، مؤكداً أن اللغة هي أقدم تجليات الهوية، وهي شأن من شؤون الهوية والأمن القومي والسيادة الوطنية، والناطق الرسمي بلسان الهوية.
وأشار إلى أن عَلاقَة اللغة بالهوية علاقة أزلية جَدليّةٌ تفاعليّةٌ؛ فلَيْسَت اللّغةُ أداةً للتّعبيرِ فَقَط، ولا وَسيلةً للتّواصُلِ بينَ الأفرادِ فقط، ولا شأناً من شُؤونِ العلمِ والثّقافَةِ والتّدريسِ فحسب، ولكنّها شأن من شُؤونِ الهُويّةِ والأمنِ القوميّ والسيادَةِ الوطنيّةِ والاستقرارِ الاجتماعيّ والنّفسيّ. فاللّغةُ مُؤلِّفٌ رَئيسٌ من مُؤلِّفاتِ الهُويّةِ في كلّ بَلَدٍ أو وَطنٍ أو أمّةٍ.
وأن الهُويةُ مَفْهومٌ ذو دلالةٍ لغويّةٍ واجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ، ويَعْني الإحساسَ بالانتماءِ إلى أركان الهويّةِ التي هي الفكر والثقافَةُ والمجتمع والتاريخ. وأمّا اللغةُ فهي النّاطقُ الرّسميّ بلسان الهويةِ ووسيلَةُ إدراكِ العالَم وتصنيفِ المُجتَمَعاتِ،، وثَقافةُ الأمّةِ كامنةٌ في لغتِها، في مُعجَمِها وصرْفِها وتَراكيبِها ونُصوصِها، وما من حَضارةٍ إنسانيّةٍ إلاّ وصاحبتْها اللّغةُ، وما من صراعٍ بشريٍّ إلاّ ويكْمُنُ خلْفَه صراعٌ لغويٌّ خَفيٌّ، فالهُويةُ نتاجُ المَعاني والقِيَم التي يشيدُها الأفرادُ عَبْرَ اللّغة .
مؤكداً في سياق كلامه أن اللُّغة أقدمُ تجليات الهُويَّة، أو لنقلْ هي التي صاغتْ أوَّل هويَّة لجماعة في تاريخ الإنسان، إذ أنَّ اللسان الواحد هو الذي جعل من كلِّ فئة من الناس “جماعة” واحدة، ذات هُويَّة مستقلة، ويزداد الاهتمام باللُّغة والهُويَّة معًا،، ويشيع الحديث عنهما، في المنعطفات أو المفاصل التاريخيَّة في حياة الجماعات، وهي منعطفات أو مفاصل ليستْ من نوع واحد، فقد يكون منعطفًا أو مفصلاً حضاريًّا إيجابيّاً أو سلبيّاً، وفي كِلا الحالين تَبرز قضية اللُّغة، وقضية الهويَّة، وفي الغالب يتمُّ الربط بينهما ويتماهيان إلى درجةِ أنَّهما يكادان يُصبحان شيئًا واحدًا.
وأن َّ كلاًّ من اللُّغة والهُويَّة خاصية إنسانيَّة، فاللُّغة بالمفهوم الذي أصَّلناه في فقرة سابقة هي لغة الإنسان، لا يشاركه فيها كائنٌ آخر، وكذا شأن الهُويَّة، فما يجمع بين فصيل من الحيوانات أو سِرْب من الطيور أو نحو ذلك، ليس بالتأكيد هُويَّة.
وقد تابع محاضرته بالحديث عن اللغة العربية التي تشكل هوية تاريخية، مؤكداً أن اللُّغة وعاء التاريخ، وكلَّما كان هذا الأخير ممتدًّا وخصبًا انعكس على اللُّغة قوَّةً وثراء، وأنها هوية جغرافية امتدَّتْ على مساحات شاسعة من العالَم، ولعلَّه لا توجد لغة من لُغات العالَم قد اتسعت اتساعَ العربية جغرافيّاً فلم تكن مجرَّد حروف وتراكيب تَجري على الألْسنة؛ ولكنَّها كانت ثقافةً وحضارةً وفكراً وانتماء.
هذا وقد كان لبعض الحضور مداخلاتهم حول علاقة اللغة بالهوية، وقد حضرها حشد من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي.
رقم العدد 15775