الجماهير – أسماء خيرو
المسيرة الحياتية والأدبية للكاتب عبد الفتاح قلعجي في ندوة حوارية بعنوان ( السيرة الأدبية المسرحية للمسرحي عبد الفتاح قلعجي) أقامتها مديرية الثقافة في الأسبوع الأخير من احتفالية حلب عاصمة الثقافة السورية على مسرح مركز العزيزية قدم وأدار الحوار عبد القادر بدور ٠
*فيلم وثائقي ٠
تم عرض فيلم وثائقي بالصور في بداية الندوة عن حياة الأديب قلعجي حيث قدم المحاور” بدور” تعليقا بصوته صاحب عرض الفيلم فقرأ نبذة تعريفية عن مكان ولادة ونشأة الاديب قلعجي والمدارس التي تعلم فيها والأدباء الذين تأثر فيهم وشغفه لحضور العروض المسرحية و السينمائية وتأثره بالتوثيق التاريخي واحترافه التوثيق الأدبي الاجتماعي وعمله في إذاعة حلب ومشاركته وانتسابه لاتحاد الكتاب العرب والجمعيات والمهرجانات والمحاضرات والمؤتمرات التي شارك فيها كما ذكر بدور الأدباء الذين كتبوا دراسات عن الأديب عبد الفتاح قلعجي والزيارات العلمية والسياحية والثقافية التي قام بها وأصدقائه الذين يعتز بهم ثم عدد مؤلفاته ودراساته الفكرية والتراجم وبحوثه الأدبية وأعماله المسرحية التي عرض منها في العديد من الدول العربية ،وختم بشهادات التكريم العديدة التي حصل عليها الكاتب قلعجي ومنها جائزة الدولة التقديرية للآداب لعام ٢٠١٥ من وزارة الثقافة ٠
*علاقة الأديب بالمكان ٠
ثم استهل عبد القادر بدور الحوار بسؤال الأديب عبد الفتاح قلعجي قائلاً: من خلال عرض الفيلم التوثيقي لمسيرة ثمانين عاما من حياتك كأديب فأكيد أنك مررت بمراحل عديدة فأي مراحل حياتك تعني لك أكثر وتعتبرها مرحلة مفصلية في حياتك ؟ فرد عليه قلعجي قائلا : في الحقيقة دعني أعود للبداية وأتكلم عن حي الكلاسة الذي نشأت وترعرت فيه فأنا أريد أن أتحدث عن علاقة الأديب بالمكان ٠ حي الكلاسة هو أقدم حي في سورية على الإطلاق يعود لعام ٢٨٥٠قبل الميلاد حسب( رقم ماري ) فأنا بالأصل ابن عائلة فقيرة جداً وأبي كان عامل بناء لم نكن نملك بيتا وكنا نتنقل بين بيوت الأقرباء إلى أن ملكنا قطعة أرض وبناها أبي وأمي في حي الكلاسة ٠
أما المدرسة التي كنت أذهب إليها كانت مدرسة العرفان بالمحمص تبعد عن حي الكلاسة مسافة ساعات وكان علي أن أسير وقتا طويلا حتى أصل أنا وأخي إليها وفي كثير من الأحيان كنت أتجمد من البرد لحين الوصول للمدرسة وكان هناك سور باب قنسرين وأمامه خندق كنت عندما أمر به أحس بأن التاريخ يكلمني ويقفز من شقوق هذا السور فمنذ ذلك الوقت دخل التاريخ في أعماقي وظللت ملازما لقضايا الإنسان الشعبي المقهور مدافعا عنه منذ بداية حياتي حتى وقتنا الحاضر فالحي الشعبي ومعايشة البسطاء من عمال والإحساس بمعاناتهم هي مرحلة انحفرت في داخلي وفي مساماتي منذ الصغر فالمكان له دور كبير في صنع الأديب والكاتب إضافة للإحساس والوعي العقلي الذي يجب على الأديب أن ينطلق منه حتى يبدع فبدون الإحساس الأديب لايمكن أن يكون شيئا .
*الأنماط الأدبية ٠
*وتابع بدور الحوار بسؤال الأديب قلعجي عن أقرب الأنماط الأدبية من مسرحية وقصة ودراسات وأبحاث إلى داخل وأعماق الكاتب فأجاب ؟ بأنه عندما يكتب يدخل في طقس ويغيب عن الوجود ” “طقس كتابي ” فيه شيء من الوعي وشيء من اللاوعي إلى أن ينتهي من الكتابة وعندما ينتهي يحس بأن الذي كتبه الآن أفضل ما كتب وأنه في كل كتاباته كان يبحث دائما عن اختراق المألوف والسائد لا يرغب بتكرير ما كتب الآخرون وتطرق إليه غيره من الأدباء وهذا يطلق عليه أصالة أي أنه يكتب أبحاثاً أصيلة لم يتطرق لها أحد كمؤلفاتة عن ( خير الدين الأسدي ، السهروردي وفلسفة السهروردي ، عمر البطش ، عماد الدين النسيبي والموسيقار أحمد أوبري ، وأمين الجندي شاعر الشام )٠
*مصادر الباحث ٠
ثم بعد ذلك انتقل المحاور بدور ليسأله عن مصادر البحث إذ قال : أستاذ عبد الفتاح الشيء بالشيء يذكر ماهي مصادر البحث التي تعتمد عليها في كتاباتك ؟
فأجابه قلعجي قائلا : على الباحث أن يستند في بحثة أو كتاباته على مصادر عديدة تغني بحثه وهي تعد المهمة الأساسية للباحث فأنا لا أبدأ الكتابة حتى أستوفي جميع المصادر وأقرأها جميعاً ثم أقوم بعملية غربلة لما قرأت وإذا عثرت على رتوق في الرواية أسدها جميعا بمعنى أني اذا كتبت أن النسيبي كان يتجول في حلب ربما التجول غير موجود في الرواية ولكن أنا من خلال قراءتي استنتجت أنه كان يتجول في حلب لذلك الرتق البسيط يعطي الاستنتاج فعلى الكاتب أن يستوفي مصادره جميعها ومن ثم يأخد من المراجع ما يفيد بحثه ثم يستغرق في الكتابة ثم يتصور بخياله العلمي الأحداث التي تفيد البحث وتغنية٠
*نمط أدبي ينتمي للأديب ٠
ثم عاد المحاور بدور وسأل الكاتب قلعجي عن الأنماط الأدبية قائلاً : لو فرضنا جدلا أن الأنماط الأدبية هي أولادك التي تفتخر بها كنتاج أدبي فأي الأولاد أقرب إلى قلبك ؟ وفي أي نمط تجد عبد الفتاح قلعجي ؟ فرد على سؤاله إذ قال : أجد نفسي في كل الأنماط فأنا عندما أكتب استغرق في الكتابة حتى منتهاها٠و سأعطيك نموذج عن استغراقي في طقس الشعر حيث قلت / لك العتبي أيا أيقونة المعبد ويا سلطانة المشهد / لك العتبى وهذا النور وتلك النور تلك النار من عينيك تشعل خامد الموقد/ لك العتبى من شفتيك ينبع حالي الموعد وتلك الغرة المجنونة الهوجاء مثل الكوكب الفرقد/ فعندما أدخل في طقس الشعر فهو شعر ٠ ولقد أصبح لي أعواماً وأنا مستغرق في كتابة الأعمال المسرحية فلقد كتبت حتى وقتنا الحالي ٧٣ عملا مسرحيا طبع منها٦٠ عملاً وأنا الكاتب الوحيد في الوطن العربي الذي أنتج هذا العدد الكبير من المسرحيات وما زلت حتى اليوم طالب علم أعيش لوحدي وأصنع الشاي بنفسي وأقعد في مقهى شعبي وهذا سر ديمومتي ٠
*الأديب يكرم بقراءة إنتاجه ٠
*ثم تابع المحاور قائلاً: أستاذ عبد الفتاح التكريم ماذا يعني لك؟ ومتى تعتبر أن الأديب كُرّم ؟ فأجاب التكريم بالنسبة لي ولأي أديب هو عندما يقرأ الشعب إنتاج الكاتب أو الأديب ثم بعد ذلك يأتي التكريم الرسمي صحيح أن التكريم الرسمي يعطي دافعأ للمؤلف حتى يستمر ولكن أفضل تكريم للكاتب عندما يكرم من البسطاء فأنا عندما أكون ذاهباً إلى السوق أو إلى أي مكان ويستوقفني أحد المارة من الذين لا أعرفهم يسلم على ويقول لي : “أنت فخرنا “هذا الإنسان البسيط نظرته لي أفضل من أي تكريم من أي شخص.
* الأديب والمجتمع ٠
وعن سؤال المحاور ماذا يحب الأديب من المجتمع غير موضوع القراءة ؟أجاب قلعجي قائلا: ما آمله هو مستقبل أفضل لهذا المجتمع فأنا حين أتنبأ بإرهاصات كالغيوم والأمطار الحامضية فوراء هذا السواد أكيد هناك أمل ٠وماأريده إضافة للقراءة أن أرى شعبي وأمتي قد باشرت بالعمل من أجل مستقبل أفضل وأن لا تكون أمة فوتوكوبي” كما يريدها بعض البشر وأريدها أن تتحرك تلقائيا وعفويا بحثا عن حريتها وأن تتنفس من تحت الماء ، كما أطلب من كل أديب أن يكتب نصوص إرهاصية ” تنبؤية “فالأديب الحق علية ألا يكون “فوتوكوبي” يصور فقط كل شيء حيث أن هناك أديب يعود للماضي ويكتب عنه وأديب متخصص يأتي بالمسرحية التاريخية ويقدمها كما هي، الأديب الحقيقي عليه أن يعطي صورة للممكن وأن تكون لديه رؤيا يستشف من خلالها المستقبل وهذا جداً قليل ٠
*رسالة الأديب قلعجي ٠
وختم المحاور بدور الندوة بالسؤال الآتي هل هناك رسالة يريد الكاتب عبد الفتاح قلعجي أن يوجهها اليوم للجيل الجديد ؟ فأجابه قائلا :أنا أعتقد أن كتاباتي كلها تحمل بين طياتها رسائل للجيل الجديد فجميعها موجهة للإنسان ولكن ليس بلغة خطابية فهي بعيدة كل البعد عن المباشرة في الخطاب فأنا أكره المباشرة الخطابية صحيح أني أحيانا أستخدم القليل من المباشرة ولكن فقط لسبب فني٠
رسالتي اليوم للشباب أن يقرؤا ويفهموا البراكين التي أفجرها في النصوص التي أكتبها فهذه النصوص هي التي تعد جيل قادر على أن يقود المستقبل لا الخطب والحوارات والندوات والتحليلات التلفزيونية التي بمجرد أن تغلق التلفاز تذهب أدراج الرياح ولا تدخل إلى الفكر أو في المسامات وسأضرب لك مثلا على ذلك أحيانا نرى نصا أدبيا ذكر فيه كلمة أحبك عشر مرات أو عشرين مرة ولكن عندما تقرأ شعرا عن الحب للشاعر طاغور فإنك تجد الحب بين الكلمات الرمزية فهو يصور لك الحب بمشهد دون أن يقول كلمة أحبك ٠وسأخبرك بكلمة أخيرة أني على الرغم من مسيرتي الحافلة بكل هذه الإنجازات الأدبية والمسرحية إلا أني أعتبر نفسي لا شيء وفخور بأني ابن حلب ومن سورية ولم أغادر وطني رغم كل ما حصل لي من مصاعب ومتاعب وسأبقى في وطني و سأموت فيه ٠
ت هايك اورفليان
رقم العدد 15849