حياتنا ما بعد كورونا هل هي كما قبله ؟ .. كيف أثر هذا الفيروس على الصحة والتربية والاقتصاد ؟ .. خبراء : السلوك الإيجابي كفيل بنمط حياة متطور

الجماهير – حسن العجيلي

كورونا المستجد أو كوفيد19 .. جائحة .. وباء .. مرض خطير ، كلها صفات التصقت بهذا الفيروس الذي أصبح خطر محدق بالبشرية جمعاء ولم يفرق بين دول الشمال ودول الجنوب أو بين الدول النامية والمتخلفة والدول المتقدمة فكلها أمامه سواء ، فقد فرض هذا الفيروس على جميع الدول نمطاً واحداً وهو العزل أو الحجر الصحي حيث أنه السبيل الوحيد لمنع انتشاره .
أنماط صحية واجتماعية وتربوية واقتصادية فرضها انتشار الفيروس لناحية اتخاذ أكثر دول العالم إجراءات سميت بالاحترازية منعاً لانتشاره وبلدنا واحد من هذه الدول التي اتخذت هذه الإجراءات ، واليوم ومع قرابة الشهرين على هذه الإجراءات وبدء التخفيف منها تبرز عدة أسئلة : ماهي الصورة التي أظهرها الفيروس عن مجتمعنا بشكل عام ؟ وكيف أثر هذا الفيروس على نمط حياتنا الصحي والاقتصادي والاجتماعي سواء خلال الحظر الجزئي وتوقف العديد من الأنشطة الحكومية والاقتصادية أو ما بعد عودة عملها ، وما هي النقاط السلبية التي اكتشفناها في سلوكنا ؟ وماهي النقاط الإيجابية التي يمكن أن نستفيد منها من التجربة التي ما زلنا نمر بها ؟ .
مصدر خوف وحّدَ دول العالم بالشعور
تتساءل أخصائية علم النفس الاجتماعي في كلية التربية بجامعة حلب الدكتورة فاتن وردة ، قائلة : هل نحن فعلاً نعيش في زمن الكورونا ؟ حتى يقال أن العالم بعد كورونا ليس كما قبله ، مضيفة لقد أصبح فيروس كورونا حديث العالم كله من أقصاه لأقصاه حيث تحول هذا الفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة إلى مصدر للخوف والذعر لدى كل شعوب الأرض عابراً بذلك لكل الحدود الثقافية والدينية واللغوية ، واستطاع العالم أن يتوحد ولأول مرة بهذه المشاعر المشتركة المتمثلة بحالة الحزن والخوف والموت المتكرر والمعاناة المشتركة التي يعيشها جميع المصابين في العالم والتي بلغت نسبتهم حوالي 2,5 % من عدد السكان في بعض الدول .
إبراز لدور الكوادر الطبية
هذا من الناحية الاجتماعية والتربوية ، أما من الناحية الطبية فيقول الدكتور مازن الحاج رحمون معاون مدير صحة حلب وأخصائي الأمراض الداخلية : خلال انتشار فيروس كورونا برز دور الكوادر الطبية في حماية المجتمعات من الأمراض والأوبئة وظهر واضحاً تقدير الناس للكوادر التي تعمل على مواجهة مرض كورونا حيث يواجهون مخاطر التعرض للإصابة والعدوى وتوفي في دول العالم الكثير من الكوادر الطبية والتمريضية والعاملين في العنايات المشددة علماً أن التعرض للخطر ليس بجديد فمن المعروف أن مهنة الطب تصنف ضمن المهن الخطرة بسبب خطر العدوى والضغط النفسي الكبير الذي يتحمله الأطباء جراء تواصلهم مع مرضى بحالات خطيرة وصعبة ومعقدة .
تأثيرات اقتصادية كبيرة
بينما يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري أن التأثيرات الاقتصادية جراء فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي كانت و ستكون كبيرة وكبيرة جداً ، ولا يمكن من الآن التنبؤ بقيمتها المادية وحجمها، ولا تستطيع أي دولة في العالم أن تنجو منها ، مع الاعتقاد بأن هناك اقتصاديات دول ستستطيع أن تحتوي هذه الآثار بشكل أو بآخر وهناك دول لن تتمكن من هذا الاحتواء بسهولة .
ساهم بتراجع أعداد المدخنين
ويؤكد الدكتور الحاج رحمون أن دراسات عدة في العالم بيّنت تراجع أعدد المدخنين منذ بداية العام الحالي وخاصة في أوروبا نتيجة معرفة الناس بنتائج الأبحاث والدراسات التي أكدت أن التدخين يسبب نقص مناعة الجهاز التنفسي وبالتالي أصبح الكثير من الناس يخافون من تعرضهم لفيروس كورونا ولجأوا إلى ترك التدخين لتحسين مناعتهم ، كما ظهرت أهمية عدم الاستخدام العشوائي للأدوية ومراجعة الأطباء لتشخيص المرض وتحديد العلاج المناسب لأن أحد خصائص هذا المرض وكثير من الأمراض الأخرى أنه يتطور سريعاً وتصبح حالة المريض سيئة ، لأن التشخيص والعلاج المبكر يسهمان في تجنب تدهور الحالة الصحية للمريض ومنع انتقال العدوى لغيره .
نقاط ضعف في النظام الصحي العالمي
ويرى الدكتور الحاج رحمون أن جائحة كورونا كشفت نقاط ضعف كثيرة في النظام الصحي بالعالم والفشل في مواجهة الوباء حتى في الدول الغربية التي تتمتع بنظام صحي قوي وفعّال وبيّنت الحاجة لتقوية الطب الوقائي والاهتمام أكثر بالتعليم الطبي وزيادة عدد أسرة العناية المشددة والمنافس الاصطناعية .
المواطن أضحى عرضة للشائعات
الدكتورة وردة لفتت إلى أن فترة الحجر الصحي وجلوس الناس في المنزل أدى بهم إلى متابعة وسائل التواصل الاجتماعي بغزارة لمعرفة الحقيقة وأصبحوا عرضة للكثير من الشائعات والمعلومات العارية عن الصحة عندها اتجه المواطن السوري إلى المرجعيات الوطنية التي تبث المعلومات الموثوقة والمتمثلة بالحكومة السورية ووزارة الصحة لأن هدفها الأول والأخير هو صحة الفرد والمجتمع في سورية.
نقص في الإنتاج
في حين أشار الدكتور حزوري إلى أنه وعلى المستوى المحلي أدت جائحة كورونا إلى حدوث نقص كبير في الانتاج نتيجة توقف الفعاليات الاقتصادية ، مما أدت إلى انفلاش كبير بالأسعار، وارتفاع أسعار معظم السلع وخاصة الغذائية منها وعدم ضبطها بالشكل الأمثل لأسباب مختلفة منها نقص الانتاج المحلي وارتفاع تكاليف المواد المستوردة ، ونتيجة جشع التجار وتعدد الحلقات الوسيطة بين المنتج أو المستورد من جهة وبين المستهلك، ولذلك لم يتم التقيد غالباً بنشرات الأسعار التي تصدرها مديريات التجارة الداخلية في المحافظات ، وانعكس ذلك على الوضع المعاشي للمواطنين وبشكل خاص ذوي الدخل المحدود أو الذين يعتمدون على دخلهم اليومي والذين توقفت أعمالهم وبالتالي دخلهم نتيجة الاجراءات الاحترازية.
عودة النشاط الاقتصادي خطوة صحيحة
ويصف الدكتور حزوري القرارات الأخيرة بالسماح بعودة النشاط الاقتصادي التدريجي بأنها خطوة بالاتجاه الصحيح مع التقيد بالإجراءات الاحترازية لمنع انتشار الفيروس كما كان التوجه لإيجاد أسواق شعبية تسعى قدر الإمكان لتقليل الحلقات الوسيطة وللسماح ببيع المنتجات وخاصة الزراعية منها بشكل مباشر من المنتج الى المستهلك لخفض الأسعار ورفع القوة الشرائية للمواطن ، منوهاً في الوقت ذاته إلى انتعاش قطاعات اقتصادية بشكل كبير ولاسيما صناعة المنظفات ومواد التعقيم وصناعة الأدوية وأيضاً الصناعات الغذائية وأنها ستنمو بشكل أكبر في المستقبل.
إيجابيات يجب تعزيزها
وتشير الدكتورة وردة إلى إيجابيات كثيرة من وجهة نظرها ويجب تعزيزها تتمثل بزيادة الوعي لدى الفرد وذلك بالتعرف على حقيقة هذا الفيروس الوبائي وكيفية انتشاره وماهي أعراض الإصابة به وكيف يمكن أن نحمي أنفسنا والآخرون من عدم الإصابة به ، وزيادة الاهتمام بالصحة النفسية والجسدية للفرد وتجسد ذلك بالسعي لتناول الغذاء الصحي المتوازن القائم على الخضراوات والبروتين وتجنب الدهون والسكريات والنوم العميق والجيد وممارسة الرياضة بانتظام ، وزيادة التحلي بالتفكير الإيجابي والحفاظ على الذات وذلك بالعمل على استثمار الوقت المتاح بأشياء مفيدة وممتعة مثل القراءة والمتابعة الجيدة والنافعة للإنترنت والعمل على تطوير الذات باستخدام التعلم عن بعد وابتعاد الفرد ما أمكن عن المشاعر السلبية كالخوف والحزن وحالات التوتر والضغط النفسي والاكتئاب ، والعمل على الوقاية الجيدة فهي السلاح الأقوى في مواجهة هذا الفيروس .
الترابط الأسري والعمل التطوعي
وتؤكد الدكتورة وردة أنه زادت حالة الارتباط والاندماج الأسري الجيد بين كل أفراد الأسرة الواحدة وذلك بعد غياب طويل بسبب التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي على كل فرد من أفراد الأسرة ، كما زادت حالة الإيثار وحب العمل التطوعي والعمل على مساعدة الناس فظهرت المبادرات الأهلية التي بدأت بتقديم المساعدات المادية والمعنوية لكل الناس المحتاجة والعمل على توفير قوت يومها في ظل ظروف الحجر الصحي ، إضافة إلى ظهور أهمية البيئة والوعي البيئي لدى الفرد وبأن كل واحد منا مسؤول وذلك بالتخفيف من حالات التلوث والحفاظ على النظافة حيث وصل التلوث البيئي في فترة الحجر الصحي إلى أدنى مستوياته في كل أنحاء العالم وهذا جعل الأرض تستعيد نشاطها وهواءها النقي ومساحتها الخضراء.
تأكيد على العادات الصحية
ويجدد الدكتور الحاج رحمون التأكيد على العادات الصحية السليمة ، قائلاً : هي العادات التي ننصح بها بشكل دائم وقبل انتشار كورونا كغسل اليدين المتكرر واستعمال المناديل الورقية عند العطاس أو السعال وتجنب الأماكن المزدحمة والتباعد المكاني وترك مسافة متر أو مترين في الأماكن المزدحمة ، مضيفاً بأن منظمة الصحة العالمية أكدت على تبني العادات الصحية وأن تطبيقها بشكل جيد يشكل أحد أهم أشكال وركائز الوقاية .
الاستمرار بتحديد ساعات العمل للأنشطة الاقتصادية
ويوافق الدكتور حزوري الدكتور الحاج رحمون مضيفاً بأنه سيكون هناك عادات جديدة في المستقبل وستتكرس منها موضوع التباعد الاجتماعي وعدم المصافحة والعناق وتغيير طريقة السلام بين الأصدقاء والاهتمام بالنظافة الشخصية والنظافة العامة في الشوارع والأماكن العامة ، مضيفاً بأن الشيء الهام الذي يمكن استنتاجه من هذه الجائحة هو القدرة على تطبيق الالتزام بالإجراءات ، وأرى – والكلام للدكتور حزوري – ضرورة إصدار القرارات الملزمة بتحديد ساعات الفتح والإغلاق لجميع الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدمية كما هو متبع في معظم دول العالم ، وأن يكون الفتح من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة السابعة مساء مع بعض الاستثناءات التي يتطلبها النشاط الاقتصادي، وألا يسمح بعدم الفتح حتى الساعة العاشرة أو أحيانا الثانية عشرة ظهراً بحجة أن التاجر أو صاحب المهنة حر بتحديد ساعة عمله، هذه الظاهرة السلبية التي انتشرت سابقا في مدينة حلب بشكل خاص .
ختاماً :
مهما تعددت الرؤى والأفكار حول فيروس كورونا لكنها اتفقت على أن هذا الفيروس أرخى بظلاله على الحياة البشرية بكافة نواحيها ، وأن كل شيء ومنها هذا الفيروس يظهر سلبيات في سلوكنا ربما لم نكن منتبهين إليها وإيجابيات يجب العمل عليها وتكريسها وأنها أي السلوكيات الإيجابية إن تم العمل عليها ستسهم في نمط حياة متطور بكافة مناحي الحياة ، ويبقى السؤال هل سنستفيد من هذه المحنة ونخرج منها بمنح اجتماعية وتربوية واقتصادية وصحية ؟ .
رقم العدد ١٦٠٣٩

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار