الأميّة ” بلاء ” مكافحتها ” فكر ” لا يرتبط بدائرة أو جمعية .. بحسب المعطيات المتوفرة نسبة الأمية بلغت 25% .. محو الأميّة مسؤولية مجتمعية تساعد على تأهيل الأفراد والمشاركة الفعالة في المجتمع
الجماهير – حسن العجيلي
” تعلم القراءة والكتابة في دورات محو الأمية كان نقطة البداية لأكمل تعليمي وأساهم في تعليم أخوتي وأولادي وأن أتعامل بسلاسة مع المحيط ” بهذه الكلمات بدأت فاطمة حديثها وهي من النساء اللواتي تحررن من أميّتهن من خلال دورات محو الأمية ، لتتابع سيدات أخريات بالقول عن الفرق بين الأميّة والتعلّم ” أستطيع أن استعمل جهاز الموبايل والتلفاز – أقرأ لوالدي ما يريد – أعرف الأمكنة والعناوين – أصبح لي بصمة في المجتمع ، لتختتم إحدى السيدات مجمل الأفكار بقولها : من لا يقرأ أعمى والمقصود عمى البصيرة وليس البصر ولذلك أشجّع كل إنسان أمّي أن يتعلم ويتحرر من أميّته .
– 8 أيلول اليوم العالمي لمحو الأميّة..
الثامن من أيلول من كل عام هو اليوم العالمي لمحو الأميّة الذي أعلنته اليونسكو إبّان انعقاد الدورة الرابعة عشرة لمؤتمرها العام في 26 تشرين الأول 1966 لمحو الأمية، ومنذ بدء الاحتفال بأول يوم دولي لمحو الأمية في عام 1967 تتواصل الاحتفالات كل عام وتبرز قصص نجاح كثيرة لسيدات أو رجال تحرروا من أميّتهم والذين كان التعلم حافزاً لهم على الاستمرار بالحياة وتطوير أوضاعهم ، ولكن بالرغم من ذلك تبقى التحديات كبيرة .
وبحسب التعريف القياسي للأمية بحسب مديرية تعليم الكبار في وزارة الثقافة فإن الأميّة هي عدم معرفة القراءة والكتابة والإلمام بمبادئ الحساب الأساسية ، وأن الأمّي كل فرد بلغ الخامسة عشر من عمره ولا يجيد القراءة والكتابة والعمليات الحسابية الأربع ولم يكن منتسباً إلى أي مؤسسة تعليمية .
– محو الأمية من أصعب الجهود..
الأميّة بلاء يحتاج إلى مكافحة من خلال تضافر الجهود في المجتمع وتقديم التسهيلات لتكون مكافحة الأميّة فكراً لا يرتبط بجمعية أو مركز تأهيل أو دائرة حكومية هذا ما قالته رئيس مجلس إدارة جمعية التعليم ومكافحة الأمية بحلب تيمار بيطار ، والتي ترى أن محو الأمية مسؤولية مجتمعية لكل فرد سواء من يعطي درساً لشخص أمّي أو يرشده لمكان يتحرر فيه من أميّته ، معتبرة أن الجهود في هذا المجال هي من أصعب الجهود المبذولة في العمل التنموي .
-“1157 مستفيداً خلال العام الحالي..
وفي هذا السياق تشير عضو المكتب التنفيذي المختص لمحافظة حلب المهندسة ذكرى حجار إلى أن سورية تولي اهتماماً كبيراً بمحو الأمية لأن هذا النوع من التعليم يساعد على إعادة تأهيل الأفراد وتمكينهم من متابعة كل جديد في كافة المجالات ، وأن مهارات التعلم والكتابة تمكّن الفرد من المشاركة الفعالة في المجتمع وتساعده على تحسين سبل المعيشة ، مضيفة بأن محافظة حلب تشجع جميع المبادرات والنشاطات والدورات التي تقام بإشراف دائرة تعليم الكبار والتنمية الثقافية في محافظة حلب بالتشارك مع الجمعيات التنموية وهيئات المجتمع الأهلي .
ويكشف رئيس دائرة تعليم الكبار والتنمية في حلب جهاد غندور أنه خلال العام الحالي تم افتتاح /46/ دورة في حلب للذكور والإناث وبلغ عدد الدارسين فيها /1157/ دارساً ودارسة ، إضافة إلى امتحانات التمكين للمستوى الثالث والتي تعادل شهادة الصف السادس من مرحلة التعليم الأساسي والتي يستطيع الحاصل عليها أن يتقدم لامتحان شهادة التعليم الأساسي أو التقدم لفرصة عمل في المؤسسات الرسمية أو الخاصة .
وفي هذا السياق تؤكد رئيس مجلس إدارة جمعية التعليم ومكافحة الأميّة أهمية بذل كل الجهود للقضاء على الأميّة التي زادت نسبتها نتيجة الأزمة التي تعرض لها البلد وأن هذا ما تعمل عليه الجمعية بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية التي تقدم الدعم وبالتشارك مع عدد من الجمعيات ، مقارِنةً هذه الفترة بفترة تأسيس الجمعية عام 1947 أي بعد جلاء المستعمر الفرنسي الأمر الذي دفع مؤسسي الجمعية لتأسيسها نتيجة الوضع السائد حينها من انتشار الجهل والفقر للنهوض بواقع المواطنين مع الوضع السائد حالياً من زيادة نسبة الأميين من المواطنين ، منوهة في هذا السياق إلى أن الجمعية أشهرت في الرابع عشر من شباط عام 1960 ، ولكنها كانت تعمل بشكل دؤوب لمكافحة الأمية حيث يوجد ضمن وثائق الجمعية إعلان توعوي إرشادي يعود لعام 1959 للتسجيل بمركز الجمعية في أقيول حيث تضمن الإعلان جملة ” أخي المواطن خذ بيد أخيك الأمّي ” .
– تحفيز للالتحاق بالدورات ..
وتتابع بيطار أنه من خلال التشبيك مع عدد من الجمعيات أصبح هناك تعاون لتعزيز الفائدة للمستفيدين من خلال ربط الخدمات الخيرية والتنموية بدورات محو الأمية والعكس كنوع من التحفيز وترشيح المستفيدين لدورات أخرى وخاصة دورات التدريب المهني التي أصبحت حاجة لتطور المجتمع ، مضيفة أنه يتم افتتاح مراكز من خلال الاتفاقيات في الأحياء والمناطق المستهدفة .
– قبل الأزمة الأميّة .. أميّة اللغة والحاسب..
ويلفت أحمد سلّاح سكرتير مجلس إدارة جمعية التعليم ومكافحة الأميّة والمنسق الإداري لمشروع محو الأمية إلى أن الجمعية قبل الأزمة كانت تعمل على محو الأمية ليس كقراءة وكتابة فقط بل كان عملها يشمل تعلم اللغة الانكليزية والحاسب ضمن برامج تعليم مسائية ، إلا أنه ومع بداية الأزمة توقفت الجمعية لمدة عام عن العمل ومن ثم بدأت متابعة نشاطها في مركزها بحي الجميلية من خلال دورات نهارية بسبب ما كانت تعانيه حلب حينها وما يتعلق بانقطاع للكهرباء وعدم وجود الأمبيرات وقتها ، من ثم ومن خلال التشاركية مع عدد من المنظمات والجمعيات الأهلية تطورت برامج الجمعية ولكن لتعليم القراءة والكتابة والحساب لمتابعة أولويات الأميّة التي انتشرت وخاصة للنساء اللواتي هن أكثر اقبالاً نظراً لانشغال الرجال بالعمل طوال اليوم حيث أن التعليم المسائي غير متاح حالياً في الجمعية ويتم توجيه المواطنين الراغبين لدائرة تعليم الكبار والتنمية في حلب .
– لا يوجد إحصاء حالي
ويشير سلّاح إلى أن نسبة الأميّة عام 2010 أي قبل الأزمة التي يمر بها البلد كانت 17% بحسب تقديرات مركز الإحصاء ، مشيراً إلى أن هذه النسبة معتمدة حتى سن الـ 55 عاماً ، في حين أن الجمعية لا يتوقف عملها عند هذا السن ويوجد نساء مستفيدات من دورات الجمعية بأعمار أكبر تتجاوز الـ 70 عاماً في بعض الحالات ، مضيفاً بأنه لا يوجد حالياً إحصاء محدد لعدد الأميين في المجتمع ولكن بحسب المعطيات الحالية فإن النسبة قد تصل حتى 25% وهذه النسبة بحسب الواقع المأخوذ عن أشخاص انقطعوا عن الدراسة أو لم يلتحقوا بالمدرسة ممن تجاوزت أعمارهم الـ 15 عاماً وهي الفئة العمرية التي تتبع لبرامج محو الأمية .
ويبيّن سلّاح أن عدد المتحررين من الأمية ضمن برامج ودورات الجمعية في مجال محو الأمية بلغ /5530/ مستفيداً ومستفيدة بين عامي 2009 – 2019 ، يتم بعدها توجيه الطالب لدائرة تعليم الكبار والتنمية في حلب ليستكمل تعليمه بالتدريج ، مؤكداً أن المنهاج الذي تدرّسه الجمعية منهاج خاص يتم اختباره وتطويره بشكل دائم .
– منهاج جديد للجمعية
وعن هذه الجزئية بالذات أي ” المنهاج ” يقول مؤلف المنهاج سامر قربون وهو أستاذ اللغة العربية والمشرف التقني على برنامج محو الأمية : إن المنهاج المتبع في دائرة تعليم الكبار هو منهاج قديم لا يتواءم مع متطلبات العصر وكانت مديرية تعليم الكبار في وزارة الثقافة قد طلبت تقييم المنهاج ، الأمر الذي دفعنا في الجمعية للعمل على تأليف منهاج يحاكي الكبار من حيث المستوى العمري والمعرفي ويخاطبهم بصوره وأمثلته فكانت النتيجة أن قمت بتأليف كتاب ” علّمَ بالقلم ” وهو مسجل بدائرة حماية حقوق الملكية في الوزارة ، وهو كتاب للمستوى الأول فقط الذي يعادل الصف الأول وتبلغ عدد ساعات تدريسه /55/ ساعة ، ويتم العمل على إنجاز منهاج للمستوى الثاني ويعادل الصفوف الثاني والثالث والرابع ومن المتوقع إنجازه خلال الأشهر القليلة القادمة ، ومنهاج المستوى الثالث الذي يعادل صفي الخامس والسادس .
-“دورات لتدريب المدرّسين…
ويوضح قربون أن تأليف المنهاج الجديد كان انطلاقاً من الحاجة والاستفادة من الثغرات السابقة وتم تقييمه من خلال مناقشات وورشات عمل من قبل مختصين وأساتذة الجمعية وتمت الاستفادة من ملاحظاتهم ونصائحهم لتصحيح المنهاج وتطويره وبعدها بدأت مرحلة التجريب والتعديل النهائي ، ومن ثم إقامة ورشات عمل ودورات لكوادر الجمعية لتمكينهم من التعامل مع المنهاج الجديد ، لافتاً إلى أن الجمعية تقوم باستمرار بدورات تمكين وتطوير لكوادرها كمشروع ” مفاتيح ” الذي تضمن ثلاث دورات لمدرّسي محو الأميّة وبلغ عدد الخاضعين لهذه الدورات /70/ مدرّساً ومدرّسة ، حيث تضمن التدريب عرضاً للمنهاج الجديد للتعامل معه ومتبعة العمل به في مراكز الجمعية والجهات الشريكة .
– التوجه لمكان الأميّة..
وتلفت رئيس مجلس إدارة جمعية التعليم ومكافحة الأمّية إلى أن الخطط الحالية للجمعية هي التوجه لمكان تواجد الأميّة وخاصة في التجمعات الصناعية لاستهداف الرجال ببرامج الجمعية لانشغالهم بأعمالهم ، مبيّنة أن هذا الأمر يحتاج إلى تعاون وتسهيلات ، كما تؤكد على أهمية دعم الجمعية والتجاوب مع خططها وبرامجها لتعزيز عملها في تنمية المجتمع مؤكدة أن تكلفة التعليم مهما ارتفعت ستكون أقل تكلفة من تبعات الجهل ومنعكساته السلبية على المجتمع .
– ختاماً :
أفكار كثيرة وبرامج عديدة يتم العمل عليها حكومياً وأهلياً لمحو الأميّة ولكنها تحتاج إلى دعم أكبر وتسهيلات وتسخير البنى التحتية لخدمة هذه القضية ، فظلام الجهل لا يقل ضرراً عن ظلام الإرهاب وفكره ويبقى العلم النور الذي يضيء للإنسان دربه وللوطن مستقبله ، فهل تلقى هذه الجهود الدعم الكافي ؟ نعم .. هو الجواب الذي ننتظره .
رقم العدد ١٦١٦٥