بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
عليك بتقوى الله ان كنت غافلاً
يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدري
فكيف تخاف الفقر والله رازقاً
فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوةٍ
ما أكل العصفور شيئاً مع النسر
تتكاثر الأحاديث بين الناس عن الوضع المعاشي في هذه الأيام، وكيف استشرى الغلاء في مجتمعنا نتيجةً لما يعاني وطننا من حصار، وأمام هذا الواقع كان لا بد لنا أن نُرشّد حواراتنا ونرسّخ فيها معنىً قد لا يخفى على الكثير من الناس إنه الرزق وهو ما يقسمه الله سبحانه للمخلوقات، وهو مقدّر ومعلوم منذ خلق الإنسان في بطن أمه، فلا يزيد ولا يقل عند خروجه، لذلك على المرء أن يؤمن بأن الرزق بيد الله وحده، إلا أنه ملزم بالسعي للحصول عليه، والرزق مرتبطٌ بالإيمان بأنّ الأرزاق كلها من عند الله تعالى، فكل ما في هذه الدنيا له وبيده سبحانه، وما من مخلوق في هذا الكون إلا وقد يسر الله له رزقه.
على الإنسان المؤمن أن يعلم بأن الله يجري الرزق لخلقه، وهو المعطي الحقيقي،ولا يُطلب الرزق إلا منه جل وعلا.
وللرزق سُبُلٌ تُسهّلُ كسبه منها:
1- الإنفاق في وجوه الخير وعدم البخل ومن فرّج كربة المكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة، ومن يسّر على معسر يسّر الله له في الدنيا والآخرة، والله رحيم بعباده، فقال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة:261].
2- السعي في تحصيل الرزق من خلال العمل المشروع من تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو وظيفة، أو غير ذلك، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].
3- صلة الرحم فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من سرّه أن يبسط الله له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) [متفق عليه].
4- تقوى الله تعالى والسعي للخير والفضيلة قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3]، فمن أطاع الله جعل له مخرجاً من كل ضيق، ورزقه من حيث لا يعلم.
5- استمرار طلب المغفرة من الله تعالى عبر الاستغفار، قال تعالى إخباراً عن نبيه نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) [نوح:10- 12].
6- الدعاء وطلب الرزق من الله تعالى قال سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60]، لقد أمر سبحانه بالدعاء ووعد بالإجابة
7- شكر الله على نعمه، ورزقه، فالشكر يزيد النعم، حيث قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
8- التوكل على الله، والاستعانة به في الرزق، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] فإن من يعتمد على الله وحده في حصوله على ما يريد فإن الله سيعينه، ويكفيه.
وفي الختام لا بدّ أن نُذكّر بأن الله سبحانه يثيب الإنسان على فعل الخير مهما كان هذا الخير صغيراً في نظر الناس، لا سيما في زمن الكروب والبلاء وتكالب الأعداء.
وأذكر قصة مما قرأت عن الرزق المضاعف مقابل فعل الخير وهي ما رُوي أن رجلًا كان يعمل في جمع الحطب وبيعه، وكان يذهب كل صباح إلى عمله متوكلًا على الله تعالى ليؤمن قوت أبنائه، وفي أحد الأيام وبعد أن بذل الرجل جهدًا كبيرًا في عمله الذي اعتاد عليه كل يوم أحس بالتعب، فاتخذ ظلًا وبدأ يأكل من الطعام الذي تعده له زوجته يوميًّا، وإذ بأحد العصافير يقترب منه، فأخذ الرجل شيئًا من الخبز، وقام بتفتيته للعصفور كي يأكل معه ويشاركه الطعام، وما إن تناول العصفور الطعام حتى طار إلى عشه القريب من المكان، فتبعه الرجل، وفي الطريق إلى عش العصفور وجد الرجل حفرة كبيرة، فأمعن النظر في الحفرة، وإذ بشيء يلمع منها، فاستعان بحبل ونزل في الحفرة، وإذا بها قطع كبيرة من الذهب، فشكر الله تعالى على ما أكرمه به من الرزق العظيم.
قيل ﻷعرابي: لقد أصبح رغيف الخبز بدينار فأجاب: والله ما همني ذلك ولو أصبحت حبة القمح بدينار. أنا أعبدُ الله كما أمرني وهو يرزقُني كما وعدني.
الرزق: ليس بكثرة العمل، ولا بطولِ الأمل، إنه بركةٌ من الرحمن، ثم محبةٌ من الإنسان.
الرزق: بخُلقِ الوفاءِ مُسٔتَمِر، وبِرَدِّ الأمانةِ مُسٔتَقِر، بالإحسان محفوظ، وبالصدق ملحوظ .
الرزق: ليس شرطاً أن يكون مالاً محسوبا؛ قد يكونُ شخصاً محبوبا أو عَلَماً مَنٔصوبا، أو خطّاً مكتوبا.
الرزق: شكرٌ للعطاء، وصبرٌ على البلاء، وروحٌ تفيضُ بالضياء.
رقم العدد ١٦٣٠٦