الجماهير – بيانكا ماضيّة
عن دار سويد في دمشق صدر كتاب (النصّ الثالث) للناقد الدكتور نضال الصالح، وهو الكتاب الحادي عشر في سلسلة مؤلفاته النقدية، والخامس والعشرون في سلسلة مؤلفاته عامة.
وقد جاء في مقدمة الكتاب: “في هذا الكتاب سبع دراسات تنطوي جميعاً تحت عباءة حقل معرفيّ واحد هو نقد النقد، أو قراءة القراءة، الذي آثرت الاصطلاح عليه بالنصّ الثالث بوصفه ثالثَ ثلاثةِ نصوص ترتبط فيما بينها بعلاقة نسب من الدرجة الأولى: النصّ الأدبي، والنصّ النقدي، والنصّ الذي يشتغل على الثاني مسائلاً مرجعياته النظرية وأدواته الإجرائية ووعي منتجه بالمصطلح النقدي وسوى ذلك ممّا يعني القول النقدي.
لعقود طويلة، وإلى الآن، لمّا يزل غير قليل من الأدباء يعتقد بأنّ النقد يعتاش على الأدب، وأنه لولا هذا الأخير لما كان ثمة شيء اسمه نقد، وبأنّ الإبداع وجودٌ بنفسه وأنّ النقد موجود بذلك الوجود، ولا يمكن له أن يكون إن لم يكن ثمّة كونٌ سابق عليه هو الإبداع. ولعقود طويلة أيضاً، وإلى الآن، لمّا يزل غير قليل من النقّاد يعتقد أنّ نقد النقد يعتاش على نصوصهم، وأنه لولا هذه النصوص لما كان ثمّة شيء اسمه نقد النقد. والاعتقادان كلاهما يتجاهلان عن سابق إرادة وتصوّر أهمية، بل ضرورة وجود الحقلين معاً، النقد ونقد النقد، إلى جانب الإبداع، فالأول، النقد، شرط لحياة النصّ الأدبيّ، والثاني، نقد النقد، شرط لإعادة الاعتبار إلى الدرس النقديّ الذي قد يختلط فيه الحابل بالنابل، والأعمى بالبصير، والناقد العالم بالناقد المتعالم.
الإبداع فعالية سابقة على النقد؟ نعم، وهو شرط لازم للنقد؟ نعم أيضاً، ولكن لا معنى للإبداع إن لم يكن ثمّة نقد يُعنى به، بل لا قيمة له إن لم يلتفت النقد إليه، ومن قرينة ذلك أنّ الأعمال العظيمة عُدّت كذلك بفضل نقد عظيم، ولو لم يكن ثمّة نقد عظيم توقّف عندها لما عاشت أكثر من المرحلة التي ولدت فيها، وكما أنّ النقد يحتاج إلى الإبداع ليكون، فإنّ الإبداع يحتاج إلى النقد ليكتمل، ولذلك فإنّ غياب أحدهما يعني بالضرورة غياباً للآخر. وهذه الخصيصة نفسها تعني نقد النقد أيضاً لغير سبب، ومن ذلك أنّ غير قليل ممّا يزعم انتسابه إلى حقل النقد الأدبي ليس كذلك، وأنّ ما ينتسب إليه بهذه الدرجة أو تلك قد لا يكون خالصاً من شوائب الخطأ والخطل على غير مستوى، ومن ذلك الوعي الناقص بالمنهج الذي ينطلق الناقد منه، والفقر المعرفيّ بمصطلحاته، وأدواته، وإجراءاته، وصدقه مع مصدره، أي النصّ”.
أما فصول الكتاب فقد تناولت النقد الروائي في سورية، والوعي النقدي عند غالب هلسا، وأديب نحوي في مرآة النقد، والنقد الخاص بإبداع عمر أبو أريشة، ومحيي الدين صبحي ناقداً روائياً، ومن فكرة القصة إلى الجنس الحائر، ومدخل إلى تجربة نقدية.
هذا وقد أهدى الدكتور الصالح هذا الكتاب إلى روح الناقد السوري محيي الدين صبحي الذي لم يكن يخشى في النقد لومة لائم. وجدير بالذكر أن هذه الدراسات قد أنجزها د. الصالح بتكليف من جهات أكاديمية ومؤسسات ثقافية عربية، وكانت أوراقاً بحثية شارك فيها في غير مؤتمر علميّ مع كوكبة من ألمع النقّاد العرب في غير عاصمة عربية.
رقم العدد 16356