الجماهير – عتاب ضويحي
من محبرة مليئة بالأفكار غير المألوفة، صاغ الشاعر مزعل المزعل نصه “رجم” محولاً إياه بوقفة درامية لعمل مسرحي “مونودراما” يحرك تفاصيله الرفض، واستقدام حالات نفسية وحسية وتداعيات داخلية في لحظات ماقبل الموت، تم عرضه من قبل مديرية المسارح والموسيقا – مسرح حلب القومي على خشبة مسرح دار الكتب الوطنية يومي الخميس والجمعة ، وذلك ضمن عروض دعم الشباب.
عن العمل أوضح المزعل أنه يتعرض للفترة الظلامية التي مرت بها سورية، وكيف كان الفكر الظلامي يعالج الأمور لمجرد الوشاية والتشويه، وفق مبادئ وأفكار خارجة عن أفكارنا، تجرم الأرواح الصغيرة وتجعل الجرم تحت عدسة مكبرة دون الانتباه لبراءة التفاصيل، وتدور أحداث “رجم” حول شاب رأى عملية رجم لفتاة، لم يستطع أن يكتم كلمة “كفى” بداخله، ليدفع ثمن قوله لها حياته ويكون مصيره الإعدام، هناك تداخلات وجدانية ونفسية للشاب كشاهد مرة وكضحية لرفض الفكر الظلامي ثانية، يسترجع مواقف حياته، ولا يتذكر سوى والديه ولاسيما أمه في لحظة ماقبل الموت، ومايضيفه “رجم” للمونودراما والكلام للمزعل، هو حالة جديدة في فن المونودراما، هناك سبق حسي وليس صورة لتنفيذ الإعدام والقتل، ومقتول يحكي عن كل شيء بداخله وأفكاره في ال15 دقيقة ماقبل الموت.
بدوره ممثل ومخرج العمل إياد عدنان شحادة بيّن أن النص جريء ويحمل أفكارا رمزية، كان تحويله من مادة أدبية شعرية لصورة مرئية عبئاً كبيراً، لاسيما وأنه لايوجد حدث لإخراجه، لكن لطبيعة العلاقة مع الشاعر مزعل المزعل والتقاء أفكارنا، قررنا تحويل النص إلى مونودراما وبث الروح فيه خاصة وأن المونودراما هي نص شعري.
وعن الرؤية الإخراجية أشار شحادة أنه اعتمد على المذهب السريالي، حيث لايمكن الوصول للذروة، وهذا مايتلاءم مع النص أولا، ولسبب يخصني جاء بأخذ قرار العودة للتمثيل والإخراج بعد تركه فترة، لأن العمل يتضمن لحظة استذكار الأهل لاسيما الأم، فكان بمثابة هدية لروح والدتي، وقمت بدور شخصية شاب لديه شرخ نفسي يستذكر شريط حياته في لحظات ماقبل الموت.. النهاية كانت مفتوحة للمتلقي ولم يشعر بانتهاء العرض إلا عند إطفاء الإضاءة، كل شيء كان هلوسات وكابوساً وصراعاً ذاتياً إلا لحظة الإعدام عند رفع الشيخ آذان المغرب وقوله الله أكبر كان واقعياً، وذكر شحادة أن سينوغرافيا العمل خدمت الفكرة تماماً، عندما اعتمدت بإبداع الفنانة التشكيلية لوسي مقصود ديكوراً متلائماً مع النص من رسومات وأعمال يدوية وأشغال ، لاسيما الجدار الذي اتخذ عدة رمزيات، مرة كمكان للأسر، وأخرى تحول لنافذة يدخل منها بصيص الأمل، وثالثة يستذكر فيها الشاب حادثة الرجم، مالبث أن بدأ يتصدع وتنهار أحجاره لتظهر صورة الأم خلف الجدار.
ومن الحضور أبدى الفنان حازم حداد إعجابه بالنص لما يشكله من حالة إنسانية ومافيها من تداعيات تدخل إلى عمق النفس البشرية، صحيح أن التعب والإرهاق كانا واضحين على الممثل مما سببا بخروجه عن الإيقاع قليلاً وانقطاع سلسلة أفكاره، لكن هذا الشيء لم يؤثر على فكرة النص الجيدة، متسائلا ً لماذا تم استبعاده والعمل “على وشك الحياة” في مهرجان المونودراما الثالث، على الرغم من أنهما من أفضل النصوص والعروض، مشيراً إلى الحركة المسرحية الجيدة الملحوظة في حلب، وبذات الوقت يعول على العمل كفريق كامل على خشبة المسرح ليحافظ المسرح على ألقه.
ومن جانبه أعرب الفنان مروان غريواتي عن إعجابه بالعمل من حيث النص والتمثيل مع بعض الملاحظات منها أن الممثل هو نفسه المخرج الأمر الذي يؤثر على العمل ككل ،أما الديكور فكان متماشياً مع المضمون ويدعم الأفكار.
تصوير – هايك أورفليان.