دفء القرار ودفء الناس

محمد سلام حنورة..

في زمنٍ مضى اعتاد فيه الشعب أن يستيقظ على أنباء ارتفاع الأسعار، جاء قرار وزارة الطاقة بتخفيض أسعار المحروقات كنسمةٍ دافئة في صباحٍ بارد. لأول مرة ربما، تُخفض دولةٌ أنهكتها الحرب أسعار المحروقات، لتمنح مواطنيها فرصةً للتنفس، ودفئًا مؤجَّلًا كانوا ينتظرونه منذ سنوات.

لم يكن الخبر اقتصاديًا بقدر ما كان اجتماعيًا وإنسانيًا؛ ففي كل بيت دار حديثٌ بسيط حول المدفأة التي ستعمل هذا الشتاء دون خوفٍ من فاتورةٍ تثقل الجيب. في عيون الناس، لم يكن الرقم الجديد على لوحة الأسعار مجرد تخفيض، بل إشارة حياة تقول إن العجلة بدأت تدور في الاتجاه الصحيح، وإن زمن الانكماش الطويل بدأ يتراجع خطوةً إلى الوراء.

في بلدٍ يتعافى من مخلفات الحرب، تأتي هذه البادرة كلمسة حنانٍ من الدولة إلى أبنائها، وكأنها تقول لهم: “لن نترككم تواجهون برد الشتاء وحدكم.” فالمازوت الذي كان يُؤجَّل شراؤه، والبنزين الذي كان يُحسب بالقطرات، والغاز الذي كان نادراً في بعض البيوت — كلها اليوم أقرب وأكثر إمكانية.

الناس لا يفرحون بالأرقام، بل بما تمنحه الأرقام من دفءٍ وطمأنينة. حين ينام الأب مطمئنًا أن أطفاله لن يرتجفوا من البرد، وحين تعود الأم لتطهو بلا خوفٍ من نفاد الغاز، يصبح الاقتصاد وجهًا إنسانيًا، لا جداول وأرقامًا جامدة.

هذا القرار ليس مجرد سياسة مالية، بل علامة على عودة الروح، على أن البلد الذي صمد في وجه الحرب بدأ يستعيد إيقاع الحياة بخطوات صغيرة لكنها مليئة بالأمل.

ومع كل ليتر مازوتٍ يُصب في المدفأة، وكل شعلة غازٍ تُضيء مطبخًا متعبًا، يولد دفءٌ جديد: دفء القرار، ودفء الناس.

 

#صحيفة_الجماهير

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار