الجماهير|| فؤاد العجيلي..
أبو سعيد، الخمسيني الذي فقد عمله في أحد المصانع المدمرة، يروي حكاية واحدة من آلاف الحكايات: “هذه العربة هي رزق أطفالي الأربعة، اشتريتها بقرض من إحدى الجمعيات، وأبيع عليها مشروبات ساخنة وبعض المأكولات. هو عمل متعب، لكنه شرف بدلاً من أن نمد أيدينا لأحد.”
السؤال المطروح اليوم: هل تتحول البسطات من فوضى عشوائية إلى مورد منظم يخدم المدينة وأهلها؟
– مشاريع النجاة بين الرضى والانزعاج
في شوارع حلب التي ما زالت تلملم آثار الحرب، تتناثر البسطات والعربات الصغيرة كعلامات حياة جديدة وسط الركام. ليست مجرد أدوات بيع متنقلة، بل قصص صمود يومي لأسر تبحث عن رزق كريم في ظل اقتصاد منهك.
لم تعد تقدم فقط السلع الأساسية، بل تحولت إلى سوق شعبي متكامل يبيع من الخضار والفواكه إلى الملابس والأحذية والأدوات المنزلية البسيطة، بأسعار تُعد الأكثر تنافساً في مدينة يعاني أهلها من أزمة معيشية طاحنة.
وبينما يرحب الكثير من سكان حلب بالبسطات كمصدر للسلع الرخيصة وتنشيط للحركة الاقتصادية في أحيائهم المهدمة، يشتكي آخرون من التعدي على الأرصفة الضيقة أساساً، وإعاقة حركة المرور، وتراكم النفايات.

– نظرة مستقبلية: من الفوضى إلى الاقتصاد المنتج
يقترح خبراء اقتصاديون ضرورة تحويل هذه الطاقة الاقتصادية الهائلة من القطاع غير المنظم إلى قطاع مساهم في إعمار المدينة، من خلال العديد من المشاريع، منها إنشاء أسواق شعبية دائمة في المناطق التي تعرضت للدمار، حيث يمكن إنشاء أسواق منخفضة التكلفة ومؤقتة للباعة المتجولين، مجهزة بمرافق أساسية، وكذلك عبر دمج الباعة في مشاريع الإعمار، من خلال التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات لتمويل مشاريع بسطات صغيرة منتجة كجزء من برامج سبل العيش، إلى جانب الحفاظ على هوية المدينة التجارية وتنظيمها العمراني.
إن بسطات حلب ليست مجرد ظاهرة اقتصادية عابرة، بل هي فصل من فصول صمود هذه المدينة، إنها تعكس قدرة الإنسان على الخلق والابتكار في أحلك الظروف، والتحدي الذي يواجه إدارة المدينة اليوم هو كيفية احتضان هذه الظاهرة وترويضها، وتحويلها من علامة على الأزمة إلى أداة فعالة في مسيرة إعمار حلب، التي لن تكتمل إلا بإعمار اقتصادها وإعادة الأمل لأبنائها.