فجر التحرير… بداية حياة جديدة

 

بقلم: د. تمام كيلاني..

في مثل هذه الليلة من تشرين الثاني، وفي الساعات الأولى من صباح السابع والعشرين منه، انطلقت شرارة ستظل محفورة في ذاكرة السوريين لأجيال طويلة… شرارة معركةٍ رأى فيها السوريون أملهم يعود، وصوتهم يعلو، وكرامتهم تُستعاد.

 

كانت معركة ردع العدوان أكثر من حدث عسكري؛ كانت ولادة زمن جديد، فصل آخر في مسيرة شعب رفض أن ينكسر مهما طال ليله أو اشتدَّ ظلامه.

 

لم يكن ذلك الصباح كبقية الصباحات؛ فقد كانت البلاد تقف بين رماد الأمس ونورٍ يشق طريقه بقوة الإيمان والإصرار. وفي اللحظة التي تصدّع فيها جدار الخوف، أشرقت شمس الحرية على سوريا، ثابتة وهادئة، لكنها حارّة بما يكفي لتذيب جليد العقود الثقيلة.

 

لقد شعر السوريون يومها، ولأول مرة منذ زمن طويل، أن الهواء الذي يتنفسونه هو لهم، وأن الأرض التي يقفون عليها لم تعد ترزح تحت سلطة خانقة، بل تستعيد هويتها شيئًا فشيئًا.

 

لم يكن التحرير مجرد انتصار سياسي، بل كان عودة الروح إلى الجسد. قاوم السوريون لسنوات طويلة عبر طرق مليئة بالأشواك والدموع، كلفتهم مئات الآلاف من الشهداء، حتى جاء ذلك اليوم ليقول لهم إن التضحيات لم تذهب سدى، وإن الدم الذي سال، والوجع الذي رافقهم، والأحلام التي حُرموا منها، كلها كانت لبنة في جدار الحرية.

 

كانت تلك اللحظة بداية نهاية زمن ثقيل… وبداية زمن آخر، يحمل في صفحاته الأولى أسماء الشهداء، ودموع الأمهات، وصوت الأطفال الذين وُعدوا بوطن أفضل.

 

منذ ذلك اليوم، أصبحت سوريا أمام مفترق طرق جديد؛ طريق لا يخلو من التحديات، لكنه مليء بإمكانيات لم تكن ممكنة قبل التحرير. فالأوطان لا تُبنى في يوم، لكنها تبدأ بخطوة… وقد خطت سوريا خطوتها الكبرى.

 

لقد أدرك السوريون أن الحرية ليست مجرد كلمة، بل مسؤولية. وأن الوطن الذي تحرّر بدماء أبنائه يستحق أن يُعاد بناؤه بإرادة لا تلين. ولذلك أصبحت ذكرى 26–27 تشرين الثاني موعدًا لبدء حياة جديدة، حياة كُتبت بالدم والصبر، لكنها تُكتب اليوم بالأمل والعمل.

 

شمس الحرية التي أشرقت على سوريا في تلك الليلة لم تكن لحظة خاطفة، بل بداية عهد جديد؛ عهد يحمل الوعد بأن يعود النازحون، وأن تُرمَّم المدن، وأن تُفتح أبواب المدارس من جديد، وأن تُغسل الذاكرة من غبار الحرب لتعود البلاد كما ينبغي لها: وطنًا للكرامة، للإنسان، للحياة.

 

ختامًا… في الذكرى الأولى للتحرير، يتذكّر السوريون أن الطريق كان طويلًا وصعبًا، لكنهم يتذكّرون أيضًا أن الشعوب التي تُصرّ على الحياة لا يمكن أن يوقفها أحد. ومع كل إشراقة ذكرى، تعود تلك اللحظة لتقول للسوريين: لقد عاد وطنكم إليكم… فابنوا عليه ما يليق بدماء أبطاله، وما يليق بكم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار