فاهيه دمرجيان : جسر فني بين الموسيقى السورية والأرمنية والكلاسيكية

  • زُهيدة هورو

على هذه الأرض، حيث ازدهرت حضارات متعاقبة وثقافات متنوعة، تتناغم الفنون والموسيقى في سيمفونية خالدة تأسر الألباب. إنّ ترابنا هذا يمثل بحق مهد الإبداع، لوحة فسيفسائية تتألق بألوانها الزاهية، تجمع بين أشعارٍ تلامس الروح ونوتاتٍ موسيقية تُحاكي مشاعر القلب. لقد صاغ المبدعون تفاصيل هذه اللوحة بأسلوبهم الفريد، ليعمّقوا عشقهم لهذه الفنون، مُنتجين أعمالًا موسيقية أصيلة ستظل خالدة عبر العصور، وتجعل من روادها رمزًا يُحتذى به في عالم الإبداع.

فاهيه دمرجيان، الموسيقي السوري المعروف، ينتمي إلى تلك الحقبة الذهبية التي تجلّت فيها مواهب عظيمة في الموسيقى السورية الأصيلة. بتفانيه وإبداعه، أبدع أعمالًا تحمل بصمته الخاصة، تمزج بين الفخامة والعمق.

وللحديث عن البدايات والذكريات، يفتح دمرجيان قلبه لنا في حوار شيق مليء بالتفاصيل، ليظهر لنا كيف ترتبط الموسيقى برحلة الإلهام، وكيف تستمر الألحان في نبض الحياة.

  • رحلة في عالم الموسيقى الكلاسيكية

عندما يغمرنا سحر الموسيقى الكلاسيكية، نكتشف عالماً جديداً يتجاوز حدود الكلمات ويصل إلى أعماق الروح. كما قال دمرجيان في بداية حديثه: “الموسيقى الجادة هي اللحن الجميل المدروس والموصل للقلب مباشرة.” هذا الإحساس العميق الذي تمثله الموسيقى يدفعني دوماً للسعي نحو تقديم أعمال موسيقية راقية تتناغم مع ذوق الجمهور، سواء كانت تلك الموسيقى لبرنامج أو لمسلسل أو حتى لفيلم.

إن كل نغمة أضعها، وكل لحن أبتكره، هو بداية جديدة لحوار فني يتجلى في الصورة والمضمون. تظل الموسيقى، بتفاصيلها الدقيقة، مرادفاً مثالياً لمشاهد العمل، وقدرتها على خلق تجارب فريدة تجعل من كل لحظة فنية عملاً احترافياً متكاملاً. فالموسيقى ليست مجرد صوت، بل هي لغة تلامس القلوب وتروي القصص التي لا يجرؤ أحد على روايتها.

  • ألحان متعددة الثقافات: بصمة فاهيه دمرجيان

تتناول الموسيقى في العادة موضوعات شتى، لكن في حالة الفنان فاهيه دمرجيان، تجسدت هذه الموضوعات في فسيفساء جميلة من الثقافات المتعددة. يعتبر دمرجيان أن خلفيته الغنية بالثقافة الموسيقية السورية الأصيلة والأرمنية العريقة، إلى جانب دراسته للموسيقى الكلاسيكية، قد ساهمت في تشكيل هويته الموسيقية الفريدة. هذا الدمج الساحر بين التقاليد المتنوعة أضفى عمقًا خاصًا على أعماله، وجعلها تأخذ طابعًا حضاريًا مميزًا.

كلما استمع الجمهور إلى مقطوعاته، يشعرون بأنهم في جولة عبر الزمن والثقافات، حيث تبرز الألحان الفريدة وتأثيرات كل من الهوية السورية والأرمنية. بفضل هذه الخلفية الغنية، أبدع دمرجيان عالماً موسيقياً خاصًا به، يظهر بوضوح في كل عمل يقدمه، إذ يصبح بمثابة جسر يربط بين الثقافات، ويُظهر كيف يمكن للموسيقى أن تعبر عن تجارب مشتركة، وتوحد الشعوب من خلال أنغام تنبض بالحياة والإبداع.

  • حكاية شغف موسيقي: رحلة دمرجيان نحو النجومية

في عالم الموسيقى الذي يفيض بالإيقاعات والنغمات، نجد حكايات تلهمنا وتثير فضولنا. أحد هذه الحكايات هي حكاية الشغف الموسيقي لدمرجيان، الذي بدأ مسيرته الدراسية في المعهد العربي للموسيقى تحت إشراف الأستاذ الراحل صلحي الوادي. هناك، تشبعت روحه بالفن وبدأت مشاعره تتناغم مع أصوات البيانو والتشيلو.

مع انتشار موسيقى البوب التي أثرت في أذهان الشباب، بدأ دمرجيان مع مجموعة من أصدقائه بتشكيل فرقة موسيقية أطلقوا عليها اسم (التايكرز). كانت هذه الفرقة من أوائل الفرق في الشرق الأوسط، وأثرت بشكل واسع على شباب تلك الفترة، محدثة صدى عميق يتجاوز الحدود.

ومع تقدم الزمن، ومع بداية موجة الموسيقى العربية الخفيفة، أدرك دمرجيان وفرقته أهمية مواكبة العصر. لذلك، أدرجوا الأنماط الموسيقية العربية في أعمالهم، مما ساهم في تحقيق نجاحات ساحقة وأمال محبي الموسيقى الهادفة. قدمت الفرقة نتاجها الفني في حفلات ومناسبات بارزة، حيث أضاءت مسارح المحافظات السورية والعالم العربي، ووضعت بصمتها على الساحة الموسيقية العالمية.

من خلال هذه الرحلة المليئة بالشغف، أثبت دمرجيان أن الموهبة والإصرار يمكن أن يحققوا آفاقًا واسعة، وأن الموسيقى حقًا هي لغة العالم التي تصل القلوب.

  • موسيقى تألق الإبداع: رحلة دمرجيان في عالم التلحين

بدأت العمل بمجال التلحين  منذ عام ١٩٨٠ وأول عمل فني قدمته بذاك الزمان كان لفيلم تلفزيوني باسم  (درب الآلام ) للكاتبة ناديا خوست والمخرج لطفي لطفي  ومن ثم تتالت بصماتي اللحنية ضمن أعمال تلفزيونية مهمة وأفلام هادفة أذكر منها عمل درامي مميز مع المخرج هاني الروماني حمل عنوان ( حمام القيشاني )  بجميع أجزائه ، وايضا  أعمال أخرى مثل ( أمنيات صغيرة ، وابو الخيل ..)

كما  جمعني تعاون فني ضمن عمل مع المخرج  نبيل المالح ضمن فيلم ( الكومبارس)  وفيلم( غراميات نجلاء ) ومع المخرج محمد ملص في فيلم ( الليل ) وفيلم  (صهيل الجهات) للمخرج ماهر كدو , وفيلم ( امبراطورية غوار) للمخرج  مروان عكاوي , ومع الاستاذ هيثم حقي ضمن عدة أعمال درامية منها مسلسل (دائرة النار ، هجرة القلوب إلى القلوب ، الدغري ، الأبواب السبعة ..)  وايضا  مع كل من المخرجين  بسام الملا والمخرج ايمن شيخاني ضمن سلسلة  مسلسل ( كان ياما كان) بأجزائه الخمسة ، مشيرا إلى تعاونه أيضا مع المخرجين فردوس الأتاسي و سليم موسى ومحمد الشيخ نجيب ، وأيضا مع كل من المخرجين نذير عواد ومحمد الشليان ، وباسل الخطيب ضمن مسلسل (الخريف) ومع المخرج مأمون البني بمسلسل (شبكة العنكبوت والسنديان) والعمل الأشهر عربياً (حديث المرايا) تأليف وتمثيل الفنان ياسر العظمة .

وإلى جانب كل ما ذكر من أعمال مهمة حيث قام دمرجيان أيضا  بتلحين أعمال موسيقية اعتمدت حينها شارات البداية والنهاية للبث التلفزيون العربي السوري وشارات لبرامج الأطفال ولحن أيضا  أعمال غنائية للأطفال  وكذلك عدة مسلسلات للمحطة التعليمية .

رحلة دمرجيان ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي تجسيد للإبداع المستمر، حيث ظلت أنغامه تنبض بالحياة، تذكّرنا دائماً بأن الفن هو الطريق الذي يوصلنا إلى القلوب والعقول.

  • رحلة إبداعية في عالم الفن

تأخذنا ذكريات دمرجيان إلى عالم من الإبداع والعمل الدؤوب، حيث يعتبر من الأسماء اللامعة في التلفزيون والإذاعة السورية. عمل على تسجيل عدد من البرامج المميزة، وكان من أبرزها برنامج “نجوم وأضواء” الذي قدّمه مع الإعلامية منى كردي والمخرج عماد اليافي. من عام 1979 إلى 1982، قدم برنامجاً خاصاً في الإذاعة السورية يركز على موسيقى البوب، حيث كان يبث يومياً ولمدة ساعة كاملة، مما ساهم في تقديم أغانٍ جديدة لجمهور الإذاعة.

تجسد مسيرته الفنية في تأسيس استوديوه الخاص به في عام 1990، الذي حمل اسم “استوديو فاهيه”، حيث كان مجهزاً بأحدث الآلات الموسيقية. كما أنه لم يقتصر على الموسيقى فقط، بل ساهم في إنشاء استوديو آخر مختص بأعمال الدوبلاج، مما أضفى لمسة إبداعية على الأعمال الكرتونية والأفلام الوثائقية، تحت إشراف زوجته نداء الحكيم. تمثل قصة دمرجيان رحلة حافلة بالإلهام والإبداع، تعكس شغفه العميق بالفن وحرصه على تقديم كل جديد ومميز لجمهوره.

  • رحلة الموسيقا بين الماضي والحاضر: تأملات دمرجيان

في حوارٍ عميق مع الفنان دمرجيان، يسلط الضوء على التأثير الكبير الذي تتركه عصور الزمن وأذواق الجماهير على تطور الموسيقا. يشير إلى أن الزمن كفيل بتغيير الأساليب والنمط الموسيقي، مما يجعلنا نعيش اليوم في عصر السرعة، حيث أصبحت الأغاني تتسم بالإيقاع السريع وتفتقر إلى الميلودي المدروس. يراها مجرد تكرار لقواعد إيقاعية تسعى لاستحثاث الرقص، بعيداً عن عمق الإحساس وجمال الكلمة مقارنةً بأغاني وموسيقا الزمن الجميل، التي كانت تعكس ذوق الجمهور الرفيع عبر ألحان راقية وكلمات تحمل معاني عميقة، يشعر دمرجيان بالحنين إلى تلك الفترات التي كانت فيها الموسيقا تنقل المشاعر والأحاسيس بشكل أرقى. ومع ذلك، شهدنا تحولات جذرية في الفن والموسيقا اليوم، مما دفعه للتفكير في مستقبل مسيرته الفنية.

يعلن دمرجيان عن قراره بالابتعاد عن الوسط الموسيقي التقليدي، ولكنه يؤكد أنه سيتجه نحو مسار جديد يجمع بين شغفه بالموسيقا والتعليم. يسعى عبر هذا المسار إلى تطوير الثقافة الموسيقية، وتعليم الأجيال الجديدة علومها ونظرياتها، مع الاحتفاظ بروح العزف الذي لطالما كان جزءاً من كيانه. تلك الرحلة، رغم تحدياتها، تحمل معها الأمل في إعادة إحياء فنون موسيقية تعكس الأصالة وتجذب ذوق الجمهور الراقي من جديد.

 

ــــــــــــــــــ

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

»»»»»

قناتنا على التلغرام:

https://t.me/jamaheer

ـــــــــــــــــ

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار