محمد مهنا ..
ما كشفه تقرير صحيفة واشنطن بوست لم يكن مجرد تسريب عابر أو معلومة صحفية عادية بل وثيقة اتهام سياسية وأخلاقية تضع جزءا من المشهد في السويداء و جنوب شرق سورية تحت الضوء وتكشف حجم التداخل الخارجي في لحظة يفترض أنها لحظة بناء الدولة واستعادة القرار الوطني فالتقرير تحدث بوضوح عن دعم عسكري ومالي قدمته إسرائيل لقوات محلية يقودها حكمت الهجري منذ أواخر عام 2024 شمل أسلحة ورواتب ومعلومات استخباراتية وتم عبر قنوات متعددة بعضها يمر بقوات سورية الديمقراطية في مشهد يعكس شبكة علاقات معقدة تتجاوز حدود الادعاء بالحماية أو الدفاع المحلي إلى مشروع نفوذ واضح المعالم
التقرير أشار إلى تسليم أسلحة ومعدات مصادرة من تنظيمات مختلفة ورواتب شهرية لآلاف المقاتلين إضافة إلى تدريب وتبادل معلومات وصور أقمار صناعية استخدمت خلال الاشتباكات كما كشف عن حديث مسؤولين غربيين حول إعداد خرائط لكيان درزي محتمل يمتد باتجاه الشرق وهي معطيات لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياق تفكيك الجغرافيا السورية وضرب وحدة القرار الوطني تحت عناوين محلية ظاهرها الخصوصية وباطنها الارتباط بالخارج
الأخطر في هذه الوقائع أنها لا تجري في الظل بل في العلن وبغطاء السلاح والمال في وقت يدفع فيه السوريون ثمن سنوات طويلة من الحرب والتدخلات ويبحثون عن حد أدنى من الاستقرار فحين تتحول بعض القوى المحلية إلى أدوات بيد عدو تاريخي لسورية فإن الأمر يتجاوز الخطأ السياسي ليصل إلى مستوى الخيانة الواضحة فقبول الدعم من جهة معادية لا يمكن تبريره بأي ذريعة أمنية أو اجتماعية بل هو اصطفاف صريح ضد الوطن وضد تضحيات السوريين الذين دفعوا الدم ثمنا لوحدة أرضهم
إن الخيانة هنا لا تكمن فقط في حمل السلاح خارج إطار الدولة بل في فتح الأبواب أمام مشاريع تقسيمية تضرب الجنوب السوري وتضعه في قلب صراع إقليمي جديد فكل من يراهن على الخارج ضد بلده إنما يختار موقعه بوضوح مهما حاول تغليف ذلك بشعارات الحماية أو الدفاع عن المكونات فالوطن لا يحميه إلا أبناؤه ولا تبنى الدول بالخرائط المرسومة في غرف الاستخبارات بل بإرادة شعبها ووحدة قرارها.