المسرح عالمي بامتياز.. والذكريات عنه منغّصة ومفرحة في آن

الجماهير- بيانكا ماضيّة

يوم المسرح العالمي الذي يحتفل به عادة بتاريخ 27 آذار، كان هذا العام يوماً خالياً من احتفال ومسرحيات، خالياً من خشبة مسرح وممثلين وديكور وإضاءة وملابس محصورين في مكان واحد، كان المسرح في الهواء الطلق وعالمياً بامتياز. ثيمة النصّ (كورونا) وكل مايتعلق بها من مآسٍ. الصراع على هذه الخشبة على أشدّه وجميع البشر ممثلون، فيما الكاتب يتصف بفكر ويد خفيّين، أما المخرج فمعروفة جنسيّته.
ورغم هذه المأساوية العالمية، لابد من العودة إلى المسرح المحلي، المسرح الحلبي، الذي لولا وباء (كورونا) لكان هناك احتفال وكلمات وتكريم.
في مقالنا هذا توقفنا مع بضع شخصيات فنيّة عملت في المسرح بحلب، لنحفر وإياهم في أروقة الذاكرة عن أيام مسرحية يتوقفون من خلالها عند بعض الذكريات، وقبل أن نتوقف معها كان لابد من استذكار بدايات المسرح الدائم في حلب مع السيد غالب البرهودي الذي كان، منذ سنوات خلت، مدير الثقافة بحلب، يتحدث عن تلك البدايات بالوقوف عند الفنان الراحل عمر حجو المهووس بالمسرح والذي كان لديه مشروع إطلاق مسرح دائم في حلب، فيقول:
كان لي شرف معرفة الفنان المرحوم عمر حجو عن قرب عندما كلفت مديراً للثقافة في حلب في العام 2010..كانت زيارته لي في مديرية الثقافة شبه يومية، وكان قد أصدر حينها محافظ حلب الأسبق قراراً بتشكيل لجنة المسرح الدائم في حلب، وكانت أحاديثنا تتركز حول كيف ننجز مسرحاً دائماً في حلب؟! أي كيف ندعم الفرق المسرحية في حلب لجعلها تعرض أعمالها المسرحية على مدار العام ودون انقطاع، بعدها بدأ العمل الجدي وعلى قدم وساق لولادة أول عمل لمسرح الهواة الدائم،كما تم إعادة تشكيل لجنة المسرح من قبل محافظ حلب آنذاك والتي تتكون من الفنان عمر حجو والأديب وليد إخلاصي والأديب عبد الفتاح قلعجي والفنان أسامة السيد يوسف والفنان غسان مكانسي الذي كان دوره محورياً في اللجنة ومدير الثقافة .
وعندما اكتملت التحضيرات كان العرض الأول الافتتاحي لمسرح الهواة الدائم “كاسك ياوطن” وهو إعادة لمسرحية “كاسك ياوطن” التي كتبها محمد الماغوط ودريد لحام إذ أخرجها برؤية جديدة الفنان مضر رمضان بحضور الفنان دريد لحام .
وسبق افتتاح المسرحية في دار الكتب الوطنية ندوة قصيرة تم التعريف فيها بمسرح الهواة الدائم والفرص والدعم الذي يقدم للفرق المسرحية في هذا المجال .
وكان العرض ناجحا وموفقا وهذا ماعبر عنه الفنان دريد لحام وأدباء وفناني حلب الحاضرون، وقد رأيت خلال العرض دموع المرحوم عمر حجو تنهمر من شدة التأثر فقد أعاده عرض مسرحية كاسك ياوطن من جديد ذكريات جميلة عمرها عدة عقود من الزمن.
وقد تبرع كل من الفنانين دريد لحام وعمر حجو بمبالغ مالية دعماً لمسرح الهواة الدائم. وقد قدم مسرح الهواة خلال عامين ونصف تقريبا 10 أعمال مسرحية ومهرجاناً مسرحياً للشباب بالتعاون مع مجلس مدينة حلب شاركت فيه العديد من الفرق المسرحية في نهاية العام 2013م إضافة إلى تخريجها عدداً من الممثلين من خلال إقامة لجنة مسرح الهواة الدائم دورة إعداد ممثل شارك في التدريب وإلقاء المحاضرات فيها عدد من الأدباء والفنانين المخضرمين.
رحمك الله أيها المسرحي العظيم عمر حجو، وستبقى ذكراك في عقول وقلوب كل محبيك وكل من عرفك فناناً إنساناً متواضعاً.

فيما يرى الفنان القدير نديم شرباتي الذي كانت له صولات وجولات على خشبة المسرح الحلبي العريق، أن ذكريات الماضي الجميل تشتمل على أكثر من سبعين عاماً، لقد أعدتني إليها، وأنا أتنقل على خشبات المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما، وآخر عمل مسرحي شاركت به على خشبة المسرح كان في الأول شهر شباط من هذا العام (أصحاب الهمم) مع فرقة السلام لذوي الاحتياجات الخاصة على مسرح نقابة الفنانين.

لأول مرة أضواء المسرح تطفأ في هذا اليوم
غسان الدهبي الممثل القدير الذي كانت له مساهمات مسرحية عديدة عبر تاريخه المسرحي، حزين اليوم على مرور يوم المسرح العالمي بدون تصفيق وبدون إضاءة، يقول:
في يوم رسالة المسرح العالمي، مسارح العالم تتشابه في زمن الكورونا..لأول مرة أضواء المسرح تطفأ في هذا اليوم، لأول مرة المسرحيون في منازلهم، لأول مرة الجمهور لايستمع ولايصفق لرسالة المسرح لأنه قرأها الكترونياً ..في عيد المسرح في هذا العام لم أرتد أجمل ثيابي ولم أقف أمام المرآة لأنظر إلى شكلي ..هل أنا جميل؟! ..هل أنا متأنق؟! ..هل أنا ممثل؟! ..
في يوم المسرح العالمي الذي لم أغب عن احتفاليته المقامة في مدينة حلب خلال السنوات الطويلة، إما مشاركا وإما حاضرا لزملاء لي رغم الحرب الإرهابية المدمرة في مدينة حلب.إرهاب العالم وجراثيمه لم تمنعنا من الاحتفال..وجرثومة صغيرة لم نرها منعت مسرحيي العالم من الاحتفال ..غابت أضواء الإنارة في مدينتي خلال الحرب في كل مكان، في المنازل، المتاجر..الشوارع ..وبقيت أضواء المسرح في مسرحنا في مسرح نقابة الفنانين مضاءة رغم الإرهاب ..واليوم انعكست الصورة، كل أنوار المدن في العالم مضاءة إلا داخل المسارح التي أصبحت في عتمة ..عتمة العقول وعتمة الرأسمالية والوحشية الإنسانية ..ونحن جزء من هذا العالم الذي فرض علينا أن نتماشى معه خوفاً على إنسانيتنا ..فأطفأنا أنوار مسرحنا .ولكن أنوار عقولنا مستمرة. في عيد المسرح أقلب بين يدي مجموعة من الصور، وفي ذاكرتي الكثير من الحكايات ..
من الصور مسرحية سكان الكهف ..في الصورة ..لبابة . سراب.. رضوان ..ماهر ..وأنا ..وفي الذاكرة الصديق المبدع الدكتور وانيس المخرج ..يا الله ما أجمل أحداث المسرحية رغم قسوتها لأنها تشبهنا نحن الممثلين المبتدئين الذين نبحث عن أدوار لنا في ذلك الزمن من الأحلام..”نحن سكان الكهف” التي كتبها وليم سارويان خصيصاً لنا وليس لغيرنا من دون أن يعرفنا، لأنه قرأ المستقبل مستقبل الأجيال المسرحية ووحشية الرأسمالية..ونحن من جيل الشباب.
في الصورة أتذكر لحظة ذلك المشهد من مسرحية “احتفال خاص لدريسدن” فيها رضوان سالم وهو يحاول خنقي وأنا الرجل النازي وهو الرجل المواطن..نتنازع على الحياة..واحد من الناس يجب أن يموت والآخر يجب أن يعيش…هو الصراع نفسه الذي يجري حولنا الآن، في زمن الكورونا. في مكان ما في العالم ..في مسرح ما تحركه أصابع وأياد لا نستطيع مشاهدتها ولكننا نتابعها ..ولأول مرة يخاف الجمهور العالمي من مشاهدة فصول المسرحية..ويكره الذهاب إلى المسرح؛ لأنه لا يعرف من هو الكاتب ولا المخرج ومتى تنتهي المسرحية.. في مسرحية دريسدن المدينة الألمانية الجميلة التي دمرها الأعداء.. أعداء الإنسانية لا لشيء إلا لأنها جميلة..أقارنها بمدينة حلب التي دمرها أيضاً الجهلة وأعداء الإنسانية، لا لشيء إلا لأنها مدينة جميلة، لم يستوعب الجهلة جمالها وأناقتها وحضورها التاريخي بين مدن العالم..فدمروها ..دمروا التاريخ والحضارة..حاولوا استئصالها من مدن طريق الحرير؛ ليقطعوا الطريق ويقيموا لأنفسهم إمارة من السفلة، سفلة من كل أنحاء العالم أرادوا أن يستوطنوها، ولكن لفظتهم لأنها مدينة طاهرة ولا تقبل إلا الأنبياء والرسل والشرفاء..وكما عادت مدينة دريسدن، ستعود مدينة حلب لتكون مدينة الحب والسلام بفضل أبنائها الشرفاء.
في يوم المسرح العالمي أتذكر من عاشرناهم وتتلمذنا على أياديهم حب المسرح، مسرح ذلك الزمان الذي لايشبه مسرح هذه الأيام. أتذكر الشهيد بشار القاضي، أتذكر المعلم أحمد سيف والمسرح العمالي بحلب الذي أخذ من حياتي كل حياتي في العمل الوظيفي. أتذكر وصال طحان الأخت والأم ..أتذكر ماكدة مورة الصديقة التي تنازعنا على حبها في أكثر من مسرحية..أتذكر عبد الوهاب جراح موليير المسرح الحلبي. أتذكر أحمد حداد الذي جذبتني أناقته قبل حضوره المسرحي الجميل ..أتذكر أيقونة المسرح السوري عمر حجو، كلماته اليومية الصباحية: أبو عبدو أنت فين ..يالله تعال إلى الفندق السياحي لنشرب قهوة ونحكي عن مسرح الهواة، وعن العمل القادم التلفزيوني. وأنا الشاب أريد أن أسمع منه ذكريات مسرح الشوك.في يوم المسرح العالمي أتذكر رحلتي إلى دمشق في حافلة كلها مشجعو نادي الاتحاد وذهابهم لملعب العباسيين، وأنا الوحيد المتجه إلى مسرح الحمراء لحضور مسرحية (رسول من قرية تاميرا) للمبدع الراحل فواز الساجر ..والكاتب محمود دياب. في يوم المسرح العالمي أتذكر..وأتذكر لعل الذكرى تنفع المسرحيين.

المسرح رسالة حضارية مقدسة
محمد هلال دملخي، الكاتب والباحث والممثل المسرحي، يحدثنا عن تلك الذكريات، بالقول: ذكرياتي عن المسرح تمتد إلى أكثر من أربعي
ن عاماً..كانت بداياتي في مطلع السبعينيات من القرن الماضي في (نادي التمثيل العربي للآداب والفنون بحلب) ..والذي كان يرأسه الفنان والأديب الراحل (ظريف صباغ )..وكنت أصغر الأعضاء سناً..وقد ضم هذا النادي رواد المسرح في حلب أذكر منهم :فاتح غضنفر، فاضل غضنفر، سعيد سفريني، بكري عطار، نديم شراباتي، تلاهم :حمدي قواف، محمد كمال، نجم الدين جمالي، رياض وردياني..وآخرون ..وكانت أكثر أعمالنا المسرحية تعرض على مسارح دار الكتب الوطنية ومسرح سوق الإنتاج ونقابة الفنانين، كنا مجموعة من الهواة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، نجتمع في غرفة صغيرة في الطابق الثاني من مبنى سفريات الانطلاق الغربي الكائن في منطقة باب جنين، كنا نعمل كخلية النحل كي نحظى بمتعة الوقوف على خشبة المسرح، إذ كنا نقوم بتصنيع مستلزمات الديكور – الذي كان أكثره بسيطاً ومتواضعاً ومن مصروفنا الخاص إلى جانب تأمين الإكسسوارات والملابس من بيوتنا، ثم ننقلها بواسطة (الطريزينة) التي كانت سائدة آنذاك. كان النادي يجاري الآن المعهد العالي للفنون المسرحية من حيث التدريب على فن الإلقاء والخطابة، وتحليل النص المسرحي.
أذكر أن سعر البطاقة آنئذ لايتجاوز الليرة السورية الواحدة، وأن أجر الممثل النجم ألف ليرة، والدور الثاني خمسمئة ليرة. أعتز وأفتخر بأنني عاشرت هؤلاء العمالقة من فنانين وأدباء…وبقيت (أميناً للسر) في النادي مايزيد عن /45/عاما

ً ..فالمسرح بالنسبة لي هو البيت الثاني، والمأوى والمنتجع والصومعة، وهو الحياة والروح، والرسالة الحضارية المقدسة.وكل عام وأنتم ومسرحيو العالم بخير.

مواقف طريفة على الخشبة
أديل برشيني الشاعرة والممثلة تحدثنا عن طرائف حصلت معها في المسرح، تقول: أذكر في مشاركتي بمسرحية سيارة البلاوي، كانت هناك غرفة درج وباب علي أن أفتح الباب وأدخل. في الداخل يوجد مكان صغير يتسع لكرسي أجلس عليه وخلفي درج كي أنزل للكواليس. بعد أن انتهيت من المشهد، وأنا أصعد بانفعال وأدخل الغرفة، صعدت وأغلقت الباب ولم أنتبه بأن الكرسي بعيد، جلست فوقعت على الأرض. الممثلون الموجودون على الخشبة هم الفنانة هدى الركبي وجمال مكانسي وخليل حداد، سمعوا الصوت فضحكوا ولم يعرفوا ماذا حصل.. كان السقوط قوياً، ومع ذلك أكملت العرض. وفي المشهد الذي يليه كان مع المرحوم جمال مكانسي، وكان يقوم بدور الشرطي، أثناء الحوار نسيت جملة وبدأت بالضحك، صفق الجمهور وضحكنا بعمق،
وتتابع: ذكريات جميلة لاتنسى، ذكرى أخرى في مسرحية مع الفنانين محمد خير الجراح والفنان أسامة السيد يوسف. كنا أنا وممثلة لم أعد أذكر اسمها نعمل دوبلير. في اليوم الذي يجب أن أكون فيه خبأت الملابس، وفي آخر لحظة تمكنت من إصلاح الموقف.
ذكرى أخيرة تمر بذاكرتي وهي أننا كنا في مقر المسرح نحضر لعمل مع الفنان محمد خير الله بعنوان (يسترنا يايوب)، ونحن بالبروفة الطاولة أذكر تماماً الهزة الأرضية التي ضربت حلب حينها بدأنا نرقص من الخوف، وكل واحد منا وقف تحت عمود وراح يصلي، ثم خرجنا بسرعة من المقر. وتنهي بالقول: المسرح حياة، أحببت المسرح ﻷنه المعلم، ينقل الأحاسيس مباشرة إلى الجمهور، ويبقى الممثل على اتصال مع الناس. الممثل الحقيقي هو الممثل المسرحي من هنا أقول لدينا ممثلون رائعون لذلك المسرح لن يموت وإن لم نستطع الاحتفال به وبيومه العالمي بسبب هذا الوباء الخبيث فنحن نقول سنعود أقوى وأبقى، وندعو الله أن يخلصنا ويحمي وطننا من كل شرّ، وأقول لكل فنان مسرحي ولكل مخرج ولكل الكوادر الفنية من إضاءة وديكور وموسيقا كل عام وأنتم بألف خير وبلدنا بألف خير.


رقم العدد 15996

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار