الجماهير – أسماء خيرو
المجتمع الحلبي خاصة والسوري عامة، كان ومازال يعيش لحظات فارقة بسبب أزمات مرت عليه على مدى تسع سنوات. ففي الأمس كانت الحرب وتداعياتها، واليوم فيروس كورونا. ولأن في الأزمات بالذات يتطور العمل التطوعي ويتعزز.. كان لابد ” للجماهير ” من أن تسلط الضوء على امرأة مميزة عاشقة للتطوع، لها مع العمل التطوعي حكايات فيها الكثير من الحب والشغف والتحدي والعطاء. العمل التطوعي لديها “فيض من غيض” جائزته التقديرية ( جزاك الله خيرا ).
هي عضو مجلس إدارة الجمعيات الخيرية، ورئيس مجلس إدارة جمعية “من أجل حلب”.. مريانا الحنش التي لها مبدأ يقول بأن “الحياة مرآة فعندما تمنح الحب من المؤكد أنك سوف تأخذ حباً” كان للـ(الجماهير) معها هذا الحوار:
* بداية كناشطة في العمل التطوعي ماهي نظرتك إلى هذا العمل الذي من الممكن أن نصفه بالعمل المتعب والشاق نوعا ما..ومن جعلك تحبينه؟!
-نظرتي للعمل التطوعي أو مفهومي عنه بعد أن قطعت هذا الشوط الطويل في مضماره بأنه طاقة من الخير اللامحدودة الكامنة في داخل الإنسان، تتجدد بأشكال وألوان من العطاء المختلفة، بغية أن تؤلف سيمفونية مجتمعية واحدة، بفضلها نسمع لحن القلوب الإنسانية ونوزع الفرحة على الفقراء والمحرومين. ومن جعلني أحب هذا العمل هم والديّ، فعندما كنت صغيرة كنت دائما أرافق أمي في أعمالها الخيرية، وخاصة عندما كانت تذهب إلى دار لرعاية المسنين في حارة المشاطية، بالإضافة إلى المفاهيم التي زرعها أبي في داخلي (كالعطاء – الخير – والتعاون – التكاتف) من خلال الدعم وتمويل أعمال الخير، فقد كان حريصاً كل الحرص على أن يخصص قسماً من الأموال التي كان يجنيها من أرضه الزراعية للفقراء والمحتاجين.
* بعد هذا القول عن مفهوم التطوع الذي نما في داخلك منذ الصغر وكبر كبذرة بفضلها اليوم أنت امرأة لها خبرة لايستهان بها في العمل التطوعي حدثيني في كلمات عن عملك؟!
-لقد عملت مع عدد من الجمعيات (العاديات – الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون – وجمعية من أجل حلب) وغيرها وهذا كان قبل الحرب، بينما بداياتي مع عمل الخير كانت مع الهلال الأحمر، ثم بعد ذلك تطوعت وبعضٌ من الأصدقاء للعمل في جمعية “مكافحة محو الأمية” و”الجمعية الخيرية الإسلامية” التي كانت قريبة جداً من مكان إقامتي، لذلك كنت أقضي مع أصدقائي يوم الاثنين من كل أسبوع مع المسنين والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام وكنا نطلق عليه “يوم الفرح”. وفي عام ٢٠٠٣ شكلنا فريق عمل تطوعي لمساعدة الأخوة اللبنانيين والعراقيين، فقمنا بجمع التبرعات واستقبالهم بالإضافة لتقديم برامج الدعم المختلفة، إذ كنا في ذلك الوقت في حالة من الاستنفار التام، حتى أني أتذكر يومها ذهبت مع أمي لكي نساعد الأخوة العراقيين بإعطائهم عدداً من الأغطية الصوفية. كان هناك حالة جميلة من التعاون والتكاتف لامثيل لها من الهلال الأحمر ومن أهل حلب.
وفي عام ٢٠٠٨ أسسنا مجموعة “فرح” للدعم النفسي والاجتماعي للأطفال واليافعين وفي عام ٢٠٠٩ انطلقنا فكنا نقوم بأنشطة مع جهات وجمعيات مختلفة مثل ( الآغا خان -و UNCR -ومديرية الثقافة) ولكن أكثر ما أكسبني خبرة، وكان له خصوصية كبيرة في حياتي، هو مشروع “مدينتنا ” الذي كان يقوم على تنسيق وتشبيك العلاقات والعمل بين الجمعيات والمؤسسات الخيرية العامة والخاصة كافة. ومايحزّ في قلبي إلى الآن أن حلب في ذلك الوقت كانت مثالاً رائعاً للنهضة الثقافية والاجتماعية، إذ قمنا باستطلاع وسألنا الشارع الحلبي كيف ترون حلب في عام ٢٠٢٠؟! الكل كان يقول دبي الثانية ولكن لا أعرف ماذا جرى بعدها كل شيء تغير وانقلب الوضع رأساً على عقب؟ .
*العمل التطوعي في أوقات الحرب يختلف كثيرا” عن أوقات السلم، ماهي الصعوبات والتحديات التي واجهتك في تلك الأوقات ؟!.
– نعم يختلف كل الاختلاف ففي الأزمات يحتاج العمل التطوعي إلى تنظيم أكثر وجهد وعناء أكبر، ففي عام ٢٠١١ جاء أهالي حمص وإدلب إلى حلب واستقروا في المدارس مما شكل عملاً إضافيا” كان لابد من التصرف بسرعة، لذلك شكلنا خلية أزمة وانضم إلينا في تلك الفترة أكثر من ٤٠٠ شخص، بعد أن كان لدينا 35 متطوعاً، كنا ندرب المتطوعين في الليل حتى يستأنفوا العمل في النهار، قسمنا مدينة حلب لقطاعات وبدأنا العمل في المدارس والمساجد، وكان لتجار وصناعيي حلب والجهات المعنية الفضل الكبير في تسهيل عملنا. وفي عام ٢٠١٢ عندما اشتدت الأزمة السورية توقفت المعامل، وهاجر أغلب أهل حلب، ودخلت المنظمات الدولية على الخط، وفي ذلك الوقت توقفت عن العمل مع معظم الجمعيات التي كنت أعمل معها، وركزت عملي فقط مع جمعية من أجل حلب .
واليوم مازلت أتابع بنفس الطاقة والشغف لتقديم كل مايلزم لكل محتاج وفق الإمكانات المتاحة والتبرعات التي تصل إلى الجمعية من أهل الخير. بعد أن ظهرت أزمة فيروس كورونا قمنا بإجراء دراسة للمجتمع؛ لكي نؤمن الاحتياجات اللازمة لكل من يستحق المساعدة أكثر، وفق معايير معينه، وبالرغم من أن بوصلة العمل التطوعي انقلبت وأخذت منحى مختلفاً عما كان قبل الحرب، إذ أصبح العمل التطوعي وظيفة أكثر من تطوع، وبالرغم من كوني امرأة مازلت أجد عملي ممتعاً ولا أجد فيه أية صعوبة، فرغم كل الظروف التي أدت بي حينها للنوم بعيداً عن بيتي، مرتين في مسجد وثلاث مرات في مدرسة، بسبب خطورة الوضع، إلا أن دعم أمي وعائلتي مكنني من الاستمرار لا الفرار من هذا العمل.
* العمل دائماً يضيف للإنسان، فماذا أضاف التطوع لك وماذا هي بالمقابل أضافت له؟! -حقيقة العمل أضاف لي الكثير، فالعمل مع المنظمات فتح لي آفاقاً لاحدود لها، وخاصة فترة عملي مع مشروع “مدينتنا” فلقد أطلعني على تجارب الآخرين ومكنني من تكوين علاقات مختلفة وأكسبني خبرة واسعة، أتاحت لي مستقبلاً للحصول على الماجستير، أيضاً أضاف لشخصيتي القوة والتماسك، وعزز في داخلي قيم الخير والحب والعطاء فجمل (جزاك الله خيرا” – والله يرزقك -ويوجه لك كل الخير) كانت بمثابة جائزة تقديرية لي لاتقدر بثمن. أما الذي أضفته فكان نقل خبرتي إلى الآخرين، كنت في الأمس آخذ واليوم أنا أعطي، فيومياً وبعد أن أنتهي من عملي الأساسي أخصص وقتي للعمل الخيري، حتى أرد الدين الذي منحني إياه الوطن.
* للنجاح ضريبة يدفعها الإنسان إما في أول مشوار حياته وإما في النهايات.. ماهي الضريبة التي دفعتها وماهي المواقف التي جعلت للاستمرار في العمل الطوعي طعماً ومعنى آخر؟!
-لأني تربيت على العمل الطوعي وأعتبره إرثاً عائلياً لم تكن هناك ضرائب تذكر، ولكن مايزعجني هو الفهم القاصر لمعنى التطوع ويحزّ في نفسي كثيراً سوء التقدير لأهمية عملي، وخاصة التعليقات التي أقرؤها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، هذه التعليقات غير الواعية والتي تعكس قلة التقدير، تسيئ للعمل الإنساني وتجعل عمل الخير يضمحل. أما المواقف التي أعطت لعملي معنى آخر فكثيرة ومنها أنه في أحد الأيام زارني أحد الأصدقاء يحمل لي هدية من شخص مسافر إلى دولة أوروبية، كان يعمل معنا في العمل التطوعي، فتحت الهدية وإذ هي شال في داخله رسالة مكتوب فيها (إلى الداعم الحقيقي في حياتي، والذي غيّر لي وجهة نظري في الحياة، جعلني أكون أكثر إيجابية، للغالية مريانا) هذه الكلمات تجعل كل ضرائب العالم لا تساوي شيئاً أمام الإحساس الذي اعتراني في ذلك الوقت، أن تكون موضع ثقة ودعم للآخرين هو أمر لا يقدر بكنوز الأرض .
.*وفي الختام ما الذي تطمحين إليه وماذا تقولين لكل امرأة تريد أن تحذو حذوك وتسير في طريق العمل التطوعي؟!.
– قبل أن أخبرك عن طموحي أريد أن أقول لك بأني امرأة تحرص كل الحرص على دعم النساء هل تعلمين أن من يعمل معي هنا في الجمعية ٩٠ بالمئة نساء، وأن هناك نساء متطوعات منذ عام ٢٠١١ ولم يحصلن على أي أجر. على الإنسان أن يربط القول بالفعل وإلا ما فائدة القول إن لم نحققه على أرض الواقع؟. وطموحي كان ومازال أن أؤسس جمعية تمكن المرأة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، هذا ليس فقط طموحي بل حلمي، ولقد سعيت لأجله، وحاولت أن أرخص جمعية نسائية تعمل على تدريب النساء على عقد الاجتماعات وحضور المؤتمرات وتكسبهم مهارات التواصل والحوار، أي أن تجعل المرأة قادرة على أن تكون فاعلة وحاضرة فعلياً لا شكلياً في كل شيء. ولكن جاءني الرد بأن لا ترخيص لجمعية نسائية فقط للطفل والأسرة . وأقول لكل امرأة ترغب بالتطوع، عملنا له أهمية كبرى هو شرف تحظين به عندما تزرعين البسمة على شفاه المحرومين، وعندما تتركين أثراً طيباً ولحظات من السعادة في قلوب الفقراء والمساكين، فلذلك كوني أنت! فأنت معتادة على العمل التطوعي، وإن فعلت خيراً ستجزين بمثله إن لم يكن اليوم ففي المستقبل القريب.
رقم العدد ١٦٠٢٠