صباح الخير يا أنظف العمال

الجماهير – فاتن يوسف

أرعبني سيلان الدم من كفه وهو يضغط على أحد الأكياس في عربة القمامة لكي لا تتدحرج على الأرض ولم يدري ان بداخلها زجاج مكسر ، اجتاحتني موجة من السخط على من تسبب بذلك ،وبالرغم من ذلك لملم جرح كفه بقطعة قماش كان يغطي بها رأسه وتابع العمل،لم تخرج من فمه كلمة نابية، لم اسمع شتيمة ،ولم أرى على تقاسيم وجهه الكريم امارة سخط،كنت أسير باتجاه عربة القمامة لأضع ما أحمله فيها ،ترك جرحه ومشى باتجاهي ليأخذ الكيس من يدي ،بادرته :صباح الخير،سلامتك ،ﻻتغلب نفسك ،جرح يدك بحاجة لتعقيم ،أجاب بصوت ضعيف أهلا وسهلا ،بعد الانتهاء من عملي سأفعل ذلك ، انتبه للأمر صيدلاني يهم بفتح باب صيدليته الواقعة بنفس الشارع ،فأخرج من الصيدلية معقما ورباطا وإبرة كزاز ،وعقم الجرح الذي سببه الزجاج المكسور في كيس القمامة لعامل لا ذنب له سوى أنه يلملم القمامة المتناثرة بصخب في شوارع المدينة ،أكملت طريقي وصور عمال النظافة تمر كشريط في مخيلتي ،عمال يعملون بصمت ،دون كلل أو ملل في ظروف الحر والصقيع والقوارض والوباء ،ينطلقون بأجسادهم النشيطة رغم هزالة بنيانها ، يعبرون صباحاتنا بوجوههم الطيبة الكريمة التي تشبه كرامة الأرض التي يحرصون على أن تبقى نظيفة رغم قوافل أكياس القمامة التي نرميها دون أن نكلف أنفسنا بالالتزام بمكان أو زمان أو أسلوب رميها ،أو ننتبه الى الزجاج المكسر أو المواد السامة أو القابلة للانفجار ،رغم أن تصنيف هذه الأشياء لا يأخذ من وقتنا وجهدنا إلا القليل، ناهيك عن من يتفنن في تحويل أكياس قمامته الى أطباق طائرة يرميها من الشرفة لتتناثر بعد تمزق الكيس وتفترش الأرض بعنجهية تقشعر لها الأرواح قبل الأبدان ،في كل يوم يمر من عمري ازداد إعجابا بعامل النظافة ،ويزيد احترامي لما يقدمه، وتقديري لنشاطه الذي ﻻيهدأ ،وتواضعه وصبره وتهذيبه وانسانيته ولباقته والأهم نظافته التي تضفي على وجه المدينه ملامح الحضارة والجمال ، وفي كل يوم يمر من عمري أدرك عمق مايحمله عامل النظافة من قيم إنسانية واستشف معنى الكلمات التي حفظتها من كتاب المحفوظات وأنا تلميذة في المدرسة (يا عامل النظافة ،يا ألطف العمال) .
عامل النظافة ،أيها الانسان الرائع: لا أملك مع تقديري ومحبتي سوى أن أقول لك صباح الخير يا أنظف العمال ،وكم اتمنى مع كل صباح أن أملأ عربتك بالورد عوضاً عن القمامة.
رقم العدد ١٦١٤٦

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار