مؤشرات مبكرة لمرض “التوحد” … الدكتور الحسين : عدم وجود أي دواء بإمكانه تحسين العلامات الأساسية لاضطراب طيف التوحد، ولكن هناك أدوية معينة تساعد في السيطرة على الأعراض

الجماهير – سميه حميدوش

يعد التوحد من أكثر الاضطرابات النمائية صعوبة بالنسبة للطفل نفسه، ولوالديه، ولأفراد الأسرة الذين يعيشون معه، إذ يتميز الاضطراب بالغموض وبغرابة أنماط السلوك المصاحبة له، بالإضافة إلى تداخل بعض المظاهر السلوكية مع بعض أعراض إعاقات واضطرابات أخرى؛ فضلا عن أن هذا الاضطراب يحتاج إلى إشراف ومتابعة مستمرة من الوالدين، فهذه الاضطرابات التي تلحق بعملية النمو، وخاصة في سرعتها خلال سنوات النمو، لاسيما في الطفولة المبكرة.

وللتعريف عن الطفل المصاب بالتوحد أوضح رئيس قسم الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة حلب وعضو في دائرة البحوث الاجتماعية في مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور فايز الحسين لـ “الجماهير” أن الطفل التوحدي هو “الذي يعاني من اضطراب في النمو قبل سن الثالثة من العمر، بحيث يظهر على شكل انشغال دائم وزائد بذاته أكثر من الانشغال بمن حوله، واستغراق في التفكير يرافقه ضعف في الانتباه، وضعف في التواصل، كما يتميز بنشاط حركي زائد، ونمو لغوي بطيء، وتكون استجابة الطفل ضعيفة للمثيرات الحسية الخارجية، ويقاوم التغيير في بيئته، مما يجعله أكثر حاجة للاعتماد على غيره ، والتعلق بهم”.
– طيف التوحد
وبالنسبة لأقسام الاضطرابات التي تصيب طفل التوحد، أضاف الدكتور الحسين أن الاضطرابات في الوقت الحالي تنقسم إلى خمسة أنواع فرعية وهي ما يسميه بعض الباحثين طيف التوحد وهي: الاضطراب التوحدي التقليدي، واضطراب ريت، واضطراب اسبيرجر واضطراب التحطم الطفولي “تفكك الشخصية وعدم تكاملها في مرحلة الطفولة” بالإضافة إلى اضطراب نمائي عام غير محدد، مضيفاً أن جميع تعريفات التوحد تركز على العديد من المظاهر السلوكية التي ينفرد بها الأطفال المتوحدين، وحيث تلخص في كل الكتابات التي تناولت تعريفهم وتشخيصهم في المظاهر السلوكية التالية:
(1) إنه اضطراب يظهر في سن الثالثة من عمر الطفل.
(2) إنه اضطراب يتميز بمظاهر نمائية تميزه عن غيره من قبيل: الانشغال الزائد بالذات، وقلة الاهتمام بالآخرين، وضعف الاستجابة للمثيرات الحسية من حوله، وأنه روتيني في أدائه للأعمال ويقاوم التغيير بشدة، ويؤثر العزلة، وأنشطته محدودة جداً، وأنه في احتياج إلى الاعتماد على الآخرين والتعلق بهم، وأن نشاطه الحركي قد يكون زائداً عن المعتاد ويتميز بأنه نشاط غير هادف.
– عوامل وراثية وبيئية
وأضاف رئيس قسم الإرشاد النفسي أنه لا يوجد سبب واحد معروف للإصابة باضطراب التوحد فهناك العديد من الأسباب له. قد يلعب التكوين الوراثي والبيئة دورا فيه، منها العوامل الوراثية إذ يبدو أن عدة جينات مختلفة تدخل في نشأة اضطراب طيف التوحد. قد يرتبط اضطراب طيف التوحد في بعض الأطفال باضطراب جيني مثل متلازمة ريت أو متلازمة الصبغي إكس الهش (ضعف في الصبغيات الجينية). في حين أن العوامل البيئية مثل العدوى الفيروسية أو الأدوية أو المضاعفات أثناء الحمل أو ملوثات الهواء تلعب دورا في التسبب باضطراب طيف التوحد ولم تصل إلى نتائج محددة إذ يؤثر اضطراب التوحد في الأطفال من الجنسيات والأجناس المختلفة، ولكن تزيد بعض العوامل الخطر لدى الطفل من حيث العوامل منها: نوع (جنس) الطفل. فيعتبر الذكور أكثر احتمالاً للإصابة باضطراب التوحد بحوالي أربع مرات عن الإناث، والتاريخ العائلي فالعائلة التي لديها طفل واحد يعاني اضطراب طيف التوحد أكثر عرضة لولادة طفلٍ آخر مصاب بالاضطراب، ومن لديه اضطرابات أخرى. فبعض الأطفال الذين يعانون حالات طبية معينة لديهم مخاطر أعلى للإصابة باضطراب التوحد أو أعراض مماثلة لأعراض هذا الاضطراب. كذلك الولادة قبل اكتمال فترة الحمل. قد يكون الأطفال المولودون قبل مرور 26 أسبوعا على الحمل أكثر عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد، وهناك عمر الأبوين إذ قد تكون هناك صلة بين الأطفال المولودين لأبوين أكبر سنا والإصابة باضطراب طيف التوحد، ولكن ليس هناك أبحاث كافية تثبت ذلك، وللتوحد مضاعفات يمكن أن تؤدي إلى مشكلات متعلقة بالتفاعل الاجتماعي والتواصل والسلوك وإلى مشاكل بالمدرسة وذات صلة بالتعلم الناجح، ومشاكل وظيفية، وعدم القدرة على العيش باستقلالية مع العزل الاجتماعي، والضغط النفسي داخل الأسرة، والوقوع ضحية للتنمر.

– علامات تكشف المصاب بالتوحد
وتابع الدكتور الحسين أن هناك بعض العلامات الشائعة التي يُظهرها الأشخاص الذين يعانون اضطراب التوحد في أهم مجالين من مجالات الحياة وهما التواصل والتفاعل الاجتماعي وأنماط السلوك حيث لا استجابة لدى الطفل عند مناداته باسمه أو يبدو كأنه لا يسمعك في بعض الأوقات.
رفض العناق والإمساك به، ويبدو أنه يفضل اللعب بمفرده؛ أي ينسحب إلى عالمه الخاص، وضعف التواصل البصري، وغياب تعبيرات الوجه، وعدم الكلام أو التأخر في الكلام، أو قد يفقد الطفل قدرته السابقة على التلفظ بالكلمات والجمل، وعدم القدرة على بدء محادثة أو الاستمرار فيها أو قد يبدأ المحادثة للإفصاح عن طلباته أو تسمية الأشياء فحسب، يتكلم بنبرة أو إيقاع غير طبيعي؛ وقد يستخدم صوتا رتيبا أو يتكلم مثل الإنسان الآلي، بالإضافة إلى أن الطفل التوحدي يكرر الكلمات أو العبارات الحرفية، ولكن لا يفهم كيفية استخدامها، يبدو عليه عدم الفهم للأسئلة أو التوجيهات البسيطة، لا يعبر عن عواطفه أو مشاعره، ويبدو غير مدرك لمشاعر الآخرين، لا يشير إلى الأشياء أو يجلبها لمشاركة اهتماماته، يتفاعل اجتماعيا على نحو غير ملائم بأن يكون متبلداً أو عدائيا أو مخرّبا، لديه صعوبة في التعرف على الإشارات غير اللفظية، مثل تفسير تعبيرات الوجه الأخرى للأشخاص أو وضع الجسم أو لهجة الصوت.
– أعراض موثقة
وأشار د.الحسين أيضا إلى أن الطفل أو الشخص البالغ قد يصابان باضطراب التوحد من مشاكل في الأنماط السلوكية المحدودة والمتكررة أو الاهتمام أو الأنشطة، بما في ذلك قيام الطفل بحركات متكررة، مثل التأرجح أو الدوران أو رفرفة اليدين، قد يقوم بأنشطة من الممكن أن تسبب له الأذى، مثل العض أو ضرب الرأس، أو يضع إجراءات أو طقوسا معينة، وينزعج عندما يطرأ عليها أدنى تغيير، بحيث يعاني من مشكلات في التناسق أو لديه أنماط حركية غريبة، مثل حركات غير متزنة أو السير على أصابع القدمين، ولديه لغة جسد غريبة أو متصلبة أو مبالغ فيها، قد ينبهر من تفاصيل شيء ما، مثل العجلات التي تدور في السيارة اللعبة، ولكن لا يدرك الصورة المجملة لهذا الشيء أو وظيفته، قد يكون حساسا بشكل غير عادي تجاه الضوء والصوت واللمس، وعلى الرغم من ذلك لا يبالي للألم أو الحرارة، لا تشغله ألعاب التقليد أو اللعب التخيلي، قد ينبهر بجسم أو نشاط ما بحماسة أو تركيز غير طبيعيين، قد تكون لديه تفضيلات معينة من الأطعمة، مثل تناول القليل من الأطعمة فحسب أو رفض تناول الأطعمة ذات ملمس معين.
وتابع الدكتور الحسين أنه عندما يكبر الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد، تتحسن حالتهم ويصبحون أكثر اجتماعية ويظهرون سلوكا اضطرابياً أقل. ويمكن لبعض المصابين الذين يعانون أعراض أقل شدة أن يعيشوا حياة طبيعية أو شبه طبيعية. ومع ذلك، يستمر البعض في مواجهة صعوبة في المهارات اللغوية أو الاجتماعية، ويمكن أن تزداد المشاكل السلوكية والانفعالية سوءاً في فترة المراهقة.
– هل يمكن اكتشاف الإصابة بالتوحد مبكراً؟
وأوضح رئيس قسم الإرشاد النفسي أنه غالبا ما تظهر علامات اضطراب طيف التوحد مبكرا في مرحلة النمو عندما يكون هناك تأخر واضح في مهارات اللغة والتفاعلات الاجتماعية. إذ يوصي الأطباء بإجراء اختبارات النمو لتحديد ما إذا كان الطفل يعاني تأخرا في المهارات الإدراكية والاجتماعية ومهارات اللغة أم لا، ومنها لا يستجيب بابتسامة أو بتعبير عن السعادة ببلوغه الشهر السادس، ولا يقلد الأصوات أو تعبيرات الوجه ببلوغه الشهر التاسع، ولا يتلعثم بالكلام أو يصدر صوتا ببلوغه الشهر الثاني عشر، لا يومئ بحركات — مثل الإشارة أو التلويح باليد — ببلوغه الشهر الرابع عشر، لا ينطق كلمات متفرقة ببلوغه الشهر السادس عشر، لا يلعب ألعاب “التخيل” أو التظاهر ببلوغه الشهر الثامن عشر، لا ينطق عبارات تتألف من كلمتين ببلوغه الشهر الرابع والعشرين، فقد مهارات اللغة أو المهارات الاجتماعية في أي عمر.

– خيارات العلاج
وفيما يتعلق بخيارت علاج المصابين بالتوحد ، بيّن الدكتور الحسين أن العلاجات السلوكية والاتصالية تعالج العديد من البرامج مجموعة من الصعوبات الاجتماعية واللغوية والسلوكية المرتبطة باضطراب طيف التوحد. وتركز بعض البرامج على الحد من السلوكيات المثيرة للمشاكل، وتعليم مهارات جديدة. وتركز البرامج الأخرى على تعليم الأطفال كيفية التصرف في المواقف الاجتماعية أو التواصل بشكل أفضل مع الآخرين، كذلك يمكن استخدام العلاجات التربوية التي غالبا ما يستجيب الأطفال المصابون باضطراب طيف التوحد جيدا للبرامج التربوية التي تتميز بدرجة عالية من التنظيم. وتتضمن البرامج الناجحة عادةً فريقا من الاختصاصيين، ومجموعة متنوعة من الأنشطة لتحسين المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال والسلوك، مضيفاً أن العلاج الأسري له دور كبير في العلاج بحيث يمكن أن يتعلم الآباء وأفراد الأسرة الآخرون كيفية اللعب والتفاعل مع أطفالهم المرضى بطرق تحفز المهارات الاجتماعية وتعالج المشكلات السلوكية وتعلمهم مهارات الحياة اليومية والتواصل، بالإضافة إلى وجود علاجات أخرى تتوقف بناءً على احتياجات الطفل، فإن علاج النطق لتحسن مهارات التواصل، والعلاج المهني لتعليم أنشطة الحياة اليومية، والعلاج الطبيعي لتحسين الحركة والتوازن قد يكون مفيدا.
وقد يوصي الطبيب النفسي باتباع طرق لعلاج مشاكل السلوك.
وفيما يتعلق بوجود الأدوية المناسبة للمصابين بالتوحد، كشف الدكتور الحسين عن عدم وجود أي دواء بإمكانه تحسين العلامات الأساسية لاضطراب طيف التوحد، ولكن هناك أدوية معينة تساعد في السيطرة على الأعراض. فعلى سبيل المثال، قد توصف بعض الأدوية لطفلك في حال كان يعاني من فرط النشاط؛ تستخدم الأدوية المضادة للذهان أحيانا في علاج المشكلات السلوكية الحادة؛ كما قد توصف مضادات الاكتئاب لعلاج القلق. إطلاع مقدمي الرعاية الصحية بشأن أي دواء أو مكمل غذائي يتناوله الطفل أولاً بأول. ففي بعض الأحيان، قد تتفاعل الأدوية مع المكملات الغذائية، وتُسبب آثارا جانبية خطيرة.
رقم العدد 16312

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار