ندوة بجامعة حلب : هجرة الشباب الجامعي تقارب 35 % والحلول ضرورة إجراء مسح وطني وإعادة النظر في سلم الرواتب
الجماهير – أنطوان بصمه جي
أقام مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية في جامعة حلب، ظهر اليوم، ندوة بعنوان “هجرة العقول وأثرها على التنمية المستدامة” وذلك على مدرج الدكتور دريد الخطيب في كلية الاقتصاد.
وأوضح المحاضر الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور عبد الناصر ناصر أن مفهوم التنمية المستدامة كمصطلح وجد بداية التسعينات من القرن الماضي حيث وجد كمصطلح اقتصادي ذو أبعاد سياسية واجتماعية، دون وجود تعريف خاص بالتنمية المستدامة إنما الاستدلال عليها من خلال مؤشرات لقياسها، وهي بمثابة إحداث النمو الاقتصادي بهدف نقل المجتمع من حالة راهنة إلى حالة مستقبلية محددة مسبقاً، وتنطوي على بعدها الاقتصادي والاجتماعي لكنها تركز على مفهوم خلق البيئة لإحداث عملية التنمية بصورة متواصلة دون انقطاع بفضل العوامل والآليات الذاتية للتطور الاقتصادي والاجتماعي.
وبيّن الدكتور ناصر أن مفهوم التنمية المستدامة تطور من خلال مؤشراته الرئيسية بعد بداية تداوله في المرحلة الأولى قبل معرفة النمط الصناعي حيث غلب الطابع الأخلاقي الديني على المفهوم الاقتصادي بإطار استخلاص والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، ثم تطور بمرحلته الثانية مع الثورة الصناعية حتى منتصف القرن العشرين واستمر مفهوم التطور الاقتصادي بفعل النمو وظهر مفهوم التنمية الاقتصادية الاجتماعية وانتقلت حاجة التعليم من كونها حاجة خاصة يلبيها الأفراد إلى حاجة عامة يكون المجتمع ممثلاً بالحكومة مسؤولاً عن تلبيتها، وبروز نمطان للإنتاج أولهما النمط الصناعي الرأسمالي الذي يقوم على الكفاءة الاقتصادية، وثانيهما النمط الصناعي الاشتراكي الذي يقوم على العدالة الاجتماعية وهنا بدأت التنمية الاجتماعية.
في حين شهدت المرحلة الثالثة من تطور المفهوم بداية انتشار الثورة العلمية التقنية بين 1950 بعد الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى منتصف الثمانينيات واتسمت بتسارع وتيرة تطور الآلات خصوصاً والسلع الانتاجية عموماً الأمر الذي أدى إلى زيادة وتيرة النمو الاقتصادي بشكل متسارع بفضل الانتاج الكبير وزيادة الناتج المحلي والعمالة وزيادة معدلات الاستهلاك، وما رافقها من انخفاض متوسط العمر الانتاجي للسع الاستهلاكية والانتاجية بما يسمى “التقادم المعنوي والمادي” وصاحب الانخفاض السريع في متوسط العمر الاستهلاكي لعملية الانتاج استخداماً جائراً للمواد الطبيعية والثروات الباطنية مترافقاً مع ظاهرة ارتفاع متوسط الأجور لدى الدول ذات نمط الانتاج الصناعي.
حيث شهدت هجرة العمالة من البلدان الأقل تطوراً إلى البلدان المتطورة كنتيجة رئيسية لمخرجات الثورة العلمية وظهور فئة اجتماعية وسياسية تنادي بحماية البيئة كحاجة مجتمعية في البلدان الصناعية المتقدمة سواء الاشتراكية أو الرأسمالية، ففي البلدان الاشتراكية ظهر أول مفاهيم تطبيق التنمية المستدامة في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1962 والتي بينت أن مفهوم العدالة الاجتماعية تنطوي على الحفاظ على الثروات الباطنية والحفاظ على الثروات الحراجية وبهذا انتقل مفهوم التنمية الاجتماعية إلى مفهوم اجتماعي ذات بعد سياسي.
في حين أن الدول ذات النمط الاجتماعي الرأسمالي ظهرت فيها حركات حماية البيئة وكان الحامل الرئيسي لها الأحزاب اليسارية وحملت لواء النضال لحماية البيئة والاستخدام العقلاني للموارد غير المتجددة، وتلاها ثورة الاتصالات والمعلومات التي برز فيها مفهوم التنمية البشرية كأساس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وشهدت تلك المرحلة نشاطاً للأحزاب الليبرالية التي تحدثت عن تطوير الموارد البشرية باعتبارها قوة العمل وانتاج المعرفة في بلدان العالم الأول وتمثلت مؤشراتها ببراءات الاختراع والتقدم العلمي في حين شهدت بلدان العالم الثاني الميول للاقتصادات الناشئة والمتخصصة بتنفيذ براءات الاختراع أما دول العالم الثالث حيث نشأت فيها الاقتصادات الريعية التي تبيع مخرجاتها من المواد الأولية والخام وتستهلك مستخرجات الانتاج الصناعي من البلدان الصناعية المتقدمة.
بدوره قال الاستاذ في كلية التربية بجامعة حلب المحاضر الدكتور سيف الدين دقي أن موضوع الهجرة ظاهرة عالمية ويكتنفها الكثير من الغموض بسبب ندرة الأبحاث عن أسبابها المختلفة ووجود تنوع في العوامل المسببة للهجرة منها العوامل الطاردة للكفاءات السورية حيث تم التوصل إلى أن انعدام الاستقرار وفجوة في الأمان وانخفاض دخل الفرد خوفه من المستقبل من أهم العوامل بالإضافة إلى ضعف البحث العلمي ومؤسساته في تناول موضوع الهجرة.
وأضاف الدكتور دقي أن اقتصاديات المعرفة تشكل مجتمعات تعتمد على القوة الأمر الذي يدفع كثير من المجتمعات للتسابق في حيازة المعرفة وتوظيفها الأمر الذي ساهم بشكل اساسي لجذب العقول لتحقيق قيمة مضافة للدول وبالتالي تحقيق الربح من خلال استثمار الذكاء الإنساني بوصفها ثروة متجددة وكون الإنسان غاية وسليمة للتنمية في الوقت ذاته، مبيناً أن الهجرة بدأت في دول العالم مع تطور الرأسمالية في أوروبا الغربية وتختلف نتائج الهجرة بحسب المراحل التاريخية واختلاف قياسها من بلد إلى آخر لذلك لا يمكن وضع عوامل أو محددات للهجرة تصلح لكل زمان ومكان.
واستعرض الدكتور دقي ازدياد حجم الهجرة أثناء الحرب على سورية حيث اشارت معطيات الدراسة التي قدمها أن نسبة المهاجرين من فئة الشباب في مرحلة التعليم الجامعي شكلت ما يقارب 35% حيث كانت سورية بأمس الحاجة لهم في مرحلة ما بعد الحرب انطلاقاً من كونهم يشكلون ثروة وطنية فتية وكوادر تعليمية مثقفة، مبيناً ان الهجرة أمر واقع لا يمكن نكرانه لذلك ينبغي وضع دراسة بحثية سريعة وفتح باب النقاش على مستوى الجهات المعنية ومعرفة كيفية وضع استراتيجيات سريعة لإعادتهم والبحث في انعكاسات الهجرة والعمل على تعزيز القدرات الوطنية بهدف دعم العقول السورية وتثبيتها في الساحة الأكاديمية السورية وإعادة النظر في سلم الرواتب والأجور والاسراع في إجراء مسح وطني للقوة العاملة في الداخل السوري من حيث النوعية والكمية والجودة وتوفير الدعم الحكومي الكامل في إجراءات الكوادر الوطنية وتأمين الحفاظ عليها.
رقم العدد ١٦٣٤٢