الجماهير – أسماء خيرو
” أردت أن أكون ما أرغب” تلك كلمات السيدة ميرفت محمد المصري من مدينة حلب التي التقت بها ” الجماهير” في كلية الآداب والعلوم الإنسانية. أروقة الجامعة بضجيجها وصخبها تذكرها بأن حلمها أصبح حقيقة لاشك فيها، امرأة تعتبر من القلائل اللواتي تمسكن بحلمهن وعكسن معنى التحدي المتمرد الذي يحتدم في أعماق النفس في محاولة لإثبات الذات، لقد أصرت على أن تعود إلى مقاعد الدراسة بقوة وإرادة وثبات وتصميم بعد ثمانية عشر عاماً كانت فيها أماً لثلاثة أطفال وزوجة لا تحمل سوى شهادة التعليم الابتدائي ، واليوم هي أم لأربعة أبناء وحائزة على إجازة في الأدب العربي من جامعة حلب …
* نظرة ذكورية …
تقول المصري عن حلم العودة إلى الدراسة ، حلم العودة إلى مقاعد الدراسة لم يغادر تفكيري يوما ما ، لقد كان يتهافت إلي من كل أركان الحياة كومضات من أمل بأني يوما ما سأراه أمام عيني ، زواجي وإذعاني لرغبة عائلتي بأن أكون ربة منزل ، لم يجعل هذا الحلم يتلاشى قط ، فقط كان كامنا في داخلي ينتظر الوقت المناسب للظهور، ولكن معارضة من حولي، كانت تثنيني عن الإفصاح بهذا الحلم ، كوني من بيئة محافظة لا تؤمن بتعليم المرأة. النظرة الذكورية هي التي رسمت وحددت مصيري بوجوب الزواج وإنجاب وتربية الأطفال فقط لا غير ، هذه النظرة جعلتني أتأخر ثمانية عشر عاماً ، ولكنها لم تستطع أن تدفن هذا الحلم أكثر من ذلك ، فلقد شاءت الأقدار بأن أحقق ما أرغب ، وعندما تشاء لا أحد يمكنه أن يقف في وجهها ..
* القدر يتدخل …
وتتابع المصري الحديث عما قدّر لها فتقول : جاءت الأزمة السورية فأجبرتني وعائلتي على النزوح من بيتي في حي بستان القصر إلى المدينة الجامعية وفي ذلك الوقت كان لدي ثلاثة أطفال ، ولأني أعشق العلم لم أرغب بأن يواجه أطفالي ماواجهته، وينقطعوا عن الدراسة كون تلك الفترة كانت الأوضاع فيها متأزمة في مدينة حلب ، بسبب سقوط القذائف على الأحياء السكنية ، فمعظم الأسر الحلبية نتيجة ماكان يحدث من أعمال إرهابية ، فضّلت عدم إرسال أطفالها إلى المدارس لإكمال تعليمهم ، ولكن أنا وزوجي عملنا على إرسال الأولاد إلى جمعية أهل الخير قسم التعليم حتى لايتوقفوا عن الدراسة ، مديرة الجمعية الدكتورة هيام البين وجدت أن أطفالي متفوقون، لذلك طلبت منهم بالتعرف علي وعلى والدهم ، فذهبت إلى مقر الجمعية وهناك كانت المفاجأة بأن شجعتني على إكمال تعليمي ، حين سمعت هذا الكلام لايمكن أن أصف الشعور الذي اعتراني في ذلك الوقت ،فأسرعت وأخبرت زوجي بما قالوا لي في الجمعية، زوجي لم يكن لديه أي مانع ، شجع على الفكرة ، ولكن أوضاعه المادية السيئة نتيجة ما خلفته الحرب أدت إلى تدخل الجمعية ، إذ أخذوا على عاتقهم تقديم الدعم المادي والمعنوي لي حتى أحقق حلمي الذي تأجل لسنوات عديدة ..
*مرحلة البدء في تحقيق الحلم ..
وتكمل السيدة المصري بأنه بعد أن وافق زوجها واقتنع برغبتها بالعودة إلى الدراسة واجهت معارضة كبيرة من الأقارب، ولكن دعم أمها وزوجها لها ومديرة جمعية أهل الخير الدكتورة “هيام البين” ، ومديرة قسم التعليم في الجمعية “رنيم عيروض” شكّل لديها رغبة قوية من الإصرار وجعلها لاتنصت للأصوات المحبطة للآمال، وبدأت بتجهيز نفسها للعودة إلى الدراسة من جديد ، فخلال ثلاثة أشهر من الدراسة الفعلية والدؤوبة لمنهاج التعليم الأساسي استطاعت فهم واستيعاب المنهاج وتقدمت إلى الامتحانات النهائية ، وبالفعل نجحت وحصلت على شهادة التعليم الأساسي في عام/ ٢٠١٣ / ، مبينة بأنه بعد حصولها على شهادة التعليم الأساسي قامت جمعية أهل الخير بمبادرة منها ، بتقديم أوراقها لدراسة البكالوريا الأدبي ، وحصلت على الشهادة الثانوية في عام /٢٠١٤ / ، بمجموع جيد يخوِّلها بأن تلتحق بفرع الأدب العربي ..
*على مقاعد الجامعة ..
وتضيف المصري فتقول : الجامعة التي كانت حلماً يراودني بعد ثمانية عشر عاماً أصبحت حقيقة لاشك فيها تتلألأ أمام عيني ، نعم لقد حققت ما أطمح إليه بعد هذا الزمن الطويل ، التحقت بالجامعة وتابعت ونجحت في السنة الأولى ومن ثم الثانية ولكن توقفت في الثالثة لتربية ابنتي الصغيرة التي رزقني إياها الله بعد دخولي الجامعة ، وعندما كبرت الصغيرة قليلاً ، عدت إلى الجامعة وأكملت السنة الثالثة ومن ثم الرابعة وتخرجت وحصلت على إجازة في الأدب العربي ، وخلال مسيرتي الجامعية التي ذكرتها آنفا أيضا التقيت بمن قدم لي الدعم ، كان هناك شاب على مستوى عال من الخلق من طلاب الدراسات العليا لن أنسى ماحييت ماقدمه لي من مساعدة، أنا إلى اليوم أشعر بالامتنان له، وأطمح في المستقبل القريب بالحصول على الماجستير ، والدكتوراه في الأدب العربي ، والدخول إلى الحياة العملية ، أولادي اليوم يفتخرون بي وزوجي كذلك ، وجميع من عارض عودتي إلى مقاعد الدراسة أحسوا بأنهم كانوا مخطئين بحقي ، لقد أثبت لهم بأني قادرة عل أن أتعلم وأكون ماأريد أنا وليس هم ..
*ثقة ونتيجة مرضية ..
وختمت السيدة مصري حديثها متابعة بأن قالت : الحياة ليست سهلة تحتاج إلى كفاح ونضال وجهاد ، النجاح الذي حصلت عليه لم يكن سهلاً أبداً، لقد كنت أدرس في ساعات الليل المتأخرة على ضوء الشمعة، فالإقامة في المدينة الجامعية كانت أشبه بالسوق الشعبي المفتوح المليء بالضوضاء والأصوات الصاخبة لذلك كانت ساعات الليل وإشراق الصباح هي أفضل الأوقات للدراسة ، كنت بعد أن أنتهي من واجباتي الأسرية والمنزلية أتفرغ في تلك الأوقات التي تنعم بالهدوء للدراسة ، لقد اجتهدت إلى حد الانهيار ، ولكن كلما أصل إلى مرحلة الاستسلام كان زوجي يحفزني ويدعمني ولأجل تلك الثقة التي منحني إياها زوجي ، أردت أن أستمر وأتخطى كل شيء، وأصر على تحقيق حلمي ولقد أثمر إصراري بنتيجة مرضية لي ولعائلتي مشيرة بأن على الإنسان وبالأخص المرأة بأن تملأ حياتها ووقتها بما هو مفيد لها ولأسرتها ولمجتمعها وأن تحمل في داخلها هدفاً تحققه ببصمة خاصة تعرف بها..
رقم العدد ١٦٣٤٢