•• حسين قاطرجي
قراءة في رواية الشيخ والفول لمازن أيمن النفوري، الرواية الحائزة على جائزة حنا مينة للرواية العربية دورة 2019.
تُعدّ جائزة حنا مينة أرفع جائزةٍ أدبيّةٍ تُمنح في سورية، وتقدّم جوائزها في حقولٍ أدبيّةٍ شتى كالشعر والرواية والقصة.
عندما حَصَدَتْ رواية “الشيخ والفول” المركز الأول عام 2019 تداولت الألسن الناقدة اسم الكاتب المغمور “مازن النفوري” بشيءٍ من الاهتمام والتعجّب، كونه قلمٌ جديدٌ في الساحة الأدبية وما له من رصيدٍ أدبيٍّ سوى عمله الأول هذا.
والواقع أنّ قراءة الأدب الذي تجود به الأقلام الواعدة هاجسٌ يتربّص بي عند مروري أمام رفوف المكتبات، إذ أجدني أشتري هذه الكتب بمتعةٍ، وشوق من يلقى عزيزاً غائباً.. وهذا ماكان منّي عند حضوري أحد معارض الكتب التي تنظمها الهيئة العامة السورية للكتاب، الجهة التي نشرت الرواية. فاقتنيتها وقرأتها، ثمّ ضربت موعداً مع الشيخ، ودعوته إلى مائدة فولٍ عامرة وسجلت حول الرواية النقاط الآتية:
يُقدّم الكاتب نصّاً مكتفياً بقوانينه الأدبية من حيث أساس البناء الروائي، وحضور الشخصية المركزية، والحوادث الخطيّة والمحرّكة، والصراعات المؤججة، وكلّه ضمن زمنٍ روائيٍ واضحٍ تتوفر فيه مرونة السرد والعناية بحوار الشخصيات وتطورها، ضمن قالبٍ من لغةٍ بسيطة تسمح للقارئ التركيز على بناء الحكاية لا فنون اللغة والبديع.
الشخصية الروائية الأساس (الشاب صاحب عربة الفول) شخصية حقيقية تتشابه شكلياً ونفسياً مع أفراد المجتمع الدمشقي خلال فترة الحرب، ولكنها (أقصد هذه الشخصية) تتغير تبعاً لصوغ النص التخيُّلي الذي يضعه الكاتب؛ فنرى أنّ شخصيته تتصف (أو تعاني) من ثنائيّة الثبات والتحوّل. الثبات على القيم ومعايير المجتمع المحافظ، حيث يتجلى ذلك في صوت ضميره، والذي أسماه (الدمشقي). والتغيير الذي يُخضع البطل نتيجة الصراعات وظروف الحرب وتبعاتها، والتي تفرض عليه تحوّلاً في شخصيته وتفكيره. يتجلى ذلك أيضاً في رفضه دفع الخوة للزعيم مقابل بقاء عربة الفول في الشارع.
شخصية الشيخ (أو الحجي) الذي يبيع الكتب على بسطةٍ مطروحةٍ على قارعة الطريق بجانب عربة الفول، نجده الشخصية الجاذبة في الرواية. فالقارئ يتعلق به بشكلٍ أعمق وأسرع من باقي أبطال العمل لأسبابٍ جوهرية أهمّها أنّه يوائم بين صفتين متناقضتين: القسوة (كما في تعامله مع ابنه العاق)، والطيبة والحنان (كما في تعامله مع سكان الحضرة). كما أنّ الغموض الذي يلفّ شخصيته تشدّ انتباه القارئ وتزيد تعلقه بالنص ليكتشف، أخيراً، مكامن السحر والطرافة في شخصية الحجّي عند انتهاء العمل.
تدور معظم أحداث الرواية في الشارع عند بسطتي الفول والكتب، وفي الحضرة وهي بيت الحجّي الذي نذره للأيتام والأرامل والتائبات ومن تقطّعت بهم السبل والأيام. وسيكون لصاحب عربة الفول دورٌ محوريٌّ في هذه الحضرة ليس أقلّه تعليم الأيتام اللغة والحساب وتأهيلهم لدفعهم إلى المدارس بعد أن وأدت الحرب طفولتهم.
وأرى أن اختيار اسم “الحضرة” بالغ الذكاء؛ فلهذه التسمية معانٍ روحيّةٍ صوفيّة تقتضي بأن يسموَ الذاكرين لفرط صفاء أرواحهم وكأنّهم في “حضرة الله” أو فوق الغمام. أمّا سكان الحضرة في الرواية فإنّ سموّهم يكون في خدمة عباد الله والسعي في مصالحهم، وهو رمزٌ بديعٌ وإشارةٌ نيّرة لأعلى مراتب الذكر والعبادة.
إذن، لم يخلق الكاتب مجتمعاً جديداً، لكنّه عرّى مافعلته الحرب في هذا المجتمع، ورسم لنا مشاهد واقعيّة أثرت عالمه المتخيّل وشيّع بها ما انكسر من أحلام المدينة والناس.
صدرت الرواية عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2020، وتقع في 295 صفحة من القطع المتوسط، وهي -بالمجمل- رواية جميلة تنتمي إلى الأدب السهل الممتنع، وتستحق كلّ الثناء والتكريم الذي حصلت عليه.